قراءة رسائل البريد الإلكتروني لوزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، والتي تم تسريبها خلال الأيام الماضية، تكشف بوضوح أن ما اصطلح على تسميته «أحداث الربيع العربي» لم يكن سوى مؤامرة تستهدف إثارة الفوضى في المنطقة، تم التخطيط لها من جانب عناصر نافذة في إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، بالتعاون مع جماعة «الإخوان» المسلمين والدول الداعمة لها كقطر وتركيا، والتي استغلت مطالب الشعوب العربية المشروعة في التنمية والعدالة والحرية في التحريض على الفوضى والعنف وتدمير الأوطان.
لقد أماطت هذه التسريبات اللثام عن العديد من الحقائق، التي تفسر حجم المؤامرة التي تعرض لها العالم العربي خلال السنوات الماضية، وكادت تؤدي إلى تفتيته، لولا تصدي القوى العربية الفاعلة لها، وكشف خيوطها وفضح أطرافها أمام الشعوب العربية التي رأت بعينها حجم الدمار والهلاك الذي تعيشه الدول التي شهدت هذه الأحداث. ولعل أول هذه الحقائق تتمثل في أن موقف إدارة أوباما من «أحداث الربيع العربي» لم يقتصر فقط على دعمها، وإنما أيضاً الإمساك بكافة خيوطها وتوجيه الأطراف المشاركة فيها، وتوجيه وسائل الإعلام، وخاصة قناة «الجزيرة» القطرية للترويج لها، باعتبارها تمثل بداية التغيير وتحمل معها الأمل لشعوب المنطقة، كمن يدس السم في العسل، وذلك لتحريض هذه الشعوب على الثورة ضد الأنظمة الحاكمة في الدول التي اندلعت فيها هذه الأحداث. فقد أظهرت هذه التسريبات بشكل واضح أن إدارة أوباما كانت تراهن على جماعة «الإخوان» والدول الداعمة لها، خاصة قطر وتركيا، في قيادة مشروع الإسلام السياسي في المنطقة، بدعوى أنه يمكن أن يشكل مشروعاً بديلاً للحكم في المنطقة من ناحية، ومواجهة التنظيمات المتطرفة والإرهابية من ناحية ثانية، حيث كشفت الإيميلات المسربة أن هيلاري كلينتون نصحت جماعة «الإخوان» في مصر إبان «ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011» بطمأنة قيادات الجيش باستمرار نفوذهم في حال وصلوا إلى السلطة، كما استمرت اللقاءات بين قيادات «الإخوان» في مصر ومسؤولين في إدارة أوباما قبيل الانتخابات الرئاسية عام 2012، وذلك في إشارة واضحة إلى طبيعة الدور الذي لعبته إدارة أوباما في توجيه جماعة «الإخوان» لكيفية التعامل مع هذه الثورة وتوظيفها في الوصول إلى السلطة. ولم يقتصر الأمر على دعم إدارة أوباما لإخوان مصر، وإنما امتد إلى «الإخوان» في دول عربية أخرى، حيث كشفت إحدى الرسائل المسربة أن الولايات المتحدة كانت تترقب عودة رئيس حركة «النهضة»، راشد الغنوشي، إلى تونس، بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي، على أمل تمكين «إخوان» تونس من الوصول إلى السلطة أيضاً. 
الحقيقة الثانية التي يمكن استخلاصها من تحليل هذه التسريبات، هي فشل محاولات إدارة أوباما نقل «أحداث الربيع العربي» إلى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، وذلك نتيجة التصدي الحاسم من جانب المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة لأية تدخلات خارجية في شؤونها، أو التأثير في مواقفها الداعمة لمملكة البحرين في مواجهة المؤامرة التي تعرضت لها عام 2011، حيث أظهرت هذه التسريبات بوضوح أن سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي رد على موقف الولايات المتحدة المعارض لإرسال قوات «درع الجزيرة» إلى البحرين آنذاك بتأكيد سموه أن ذلك «شأن خليجي داخلي، وأن إرسال قوات سعودية إماراتية إلى البحرين جاء بناء على طلب حكومة البحرين، والهدف هو استعادة النظام». بينما أغلق وزير الخارجية السعودي الراحل الأمير سعود الفيصل الهاتف في وجه هيلاري كلينتون، حينما حذرته من مغبة إرسال قوات إلى البحرين، وهذه شهادة للتاريخ تؤكد عظم الدور الذي لعبته الدولتان في التصدي للمؤامرات التي كانت تستهدف الدول الخليجية والعربية بوجه عام خلال هذه الفترة، وأنهما بحق يشكلان صمام الأمن والأمان لجميع شعوب المنطقة.
الحقيقة الثالثة التي أكدتها هذه التسريبات هي دور قطر المتواطئ في «أحداث الربيع العربي»، وأنها كانت أهم أدوات الترويج لمشروع الإسلام السياسي في المنطقة، سواء من خلال الدور الذي قامت به قناة «الجزيرة» في دعم هذه الأحداث والترويج لها باعتبارها بداية التغيير والإصلاح في منطقة الشرق الأوسط، أو من خلال تقديم الدعم المالي لها، استجابة لطلب هيلاري كلينتون تمويلها عبر صندوق مخصص لمؤسسة كلينتون،‎ أو من خلال مساعدة جماعة «الإخوان» وتمكنيهم من الوصول إلى السلطة، حيث كشفت إحدى الرسائل المسربة التي يعود تاريخها إلى سبتمبر 2012 عن تعاون قطر مع جماعة «الإخوان» لإنشاء قناة إعلامية «إخوانية» بتمويل قدره 100 مليون دولار، بإشراف نائب مرشد «الإخوان» في مصر خيرت الشاطر. 
لقد بات واضحاً الآن أن ما شهدته الدول العربية من أحداث مدمرة منذ نهاية العام 2010، لم يكن سوى مؤامرة تم التخطيط لها قبل أطراف عديدة بهدف تمكين جماعة «الإخوان» في عموم المنطقة، والترويج لما يسمى «مشروع الإسلام السياسي» الذي تقوده تركيا بدعم قطري واضح مالياً وإعلامياً، لهدم مرتكزات الدولة الوطنية في العالم العربي، ومصادرة حق شعوبها في الأمن والاستقرار والتنمية.
*إعلامي وكاتب إماراتي