لا يحتاج الإسلام ونبيّه العظيم محمد بن عبد الله، إلى مراهق شيشاني للدفاع عنه بارتكاب جريمة بشعة ووحشية. فإذا كان المدرّس الفرنسي، الضحية، أساء استخدام الصور والعبارات، فإن ذلك يعبّر عن ضحالة معرفته بالإسلام. وهو في ذلك لا يمثّل الثقافة الفرنسية. يمثل هذه الثقافة الوضاءة مفكر كبير مثل الفيلسوف جان جاك روسو الذي قال في كتابه الشهير: «العقد الاجتماعي» (طُبع لأول مرة عام 1762): «من الناس من يتعلم قليلاً من العربية، ثم يقرأ القرآن ولا يفهمه، ولو أنه سمع محمداً يمليه بتلك اللغة الفصحى الرقيقة، وذاك الصوت المقنع، المؤثر في شغاف القلوب، ورآه يؤكد أحكامه بقوة البيان، لخرّ ساجداً على الأرض وناداه: أيها النبي، رسول الله، خذ بأيدينا إلى مواقف الشرف والفخار، أو مواقع التهلكة والأخطار، فنحن في سبيلك، نودّ الموت أو الانتصار».
وقبل روسو، قال الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت (1596-1650) صاحب نظرية «أنا أفكر إذن أنا موجود»، في كتابه الشهير «مقالة في المنهج»: «نحن والمسلمون في هذه الحياة، ولكنهم يعملون بالرسالتين العيسوية والمحمدية، ونحن لا نعمل بالثانية، ولو أنصفنا لكنا معهم جنباً إلى جنب، لأن في رسالتهم ما يتلاءم مع كل زمان، وصاحب شريعتهم محمد، الذي عجزَ العرب عن مجاراة قرآنه وفصاحته، بل لم يأتِ التاريخ برجل هو أفصح منه لساناً، وأبلغ منه منطقاً، وأعظم منه خُلقاً، وذلك دليل على ما يتمتع به نبي المسلمين من الصفات الحميدة، التي أهّلته لأن يكون نبياً في آخر حلقات الأنبياء، ولأن يعتنق دينه مئات الملايين من البشر».
ويبدو أنه لا المدرّس الضحية، ولا الشيشاني القاتل قرآ ما كتبه الأديب الفرنسي الشهير «لامارتين» عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم. فقد قال هذا المفكر الكبير في واحد من كتبه: «إذا كانت الضوابط التي نقيس بها عبقرية الإنسان هي سمو الغاية والنتائج المذهلة، رغم قلة الوسيلة، فمن يجرؤ أن يقارن أياً من عظماء التاريخ بالنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في عبقريته؟ فهؤلاء المشاهير قد صنعوا الأسلحة، وسنّوا القوانين، وأقاموا الإمبراطوريات، فلم يجنوا إلا أمجاداً بالية لم تلبث أن تحطمت بين ظهرانيهم. ولكن هذا الرجل لم يقد الجيوش ويسن التشريعات ويُقم الإمبراطوريات ويحكم الشعوب ويروّض الحكام فقط، وإنما قاد الملايين من الناس، فيما كان يُعد ثلث العالم حينئذٍ، بل إنه قضى على الأنصاب والأزلام والأديان والأفكار والمعتقدات الباطلة. كان طموح النبي موجهاً إلى هدف واحد وهو الإيمان بوحدانية الله. هذا هو محمد، الخطيب، النبي، المشرع، المحارب، قاهر الأهواء، مؤسس المذاهب الفكرية التي تدعو إلى عبادة حقة بلا أنصاب ولا أزلام».
ومن المؤكد أيضاً أنهما، الضحية والجاني، لم يسمعا بالقصيدة التي نظمها الشاعر الفرنسي العظيم فيكتور هوجو عن النبي محمد عليه الصلاة والسلام، والتي مدحه فيها بحرارة وبمحبة صادقتين.
إن فرنسا، بل الإنسانية كلها، تفتخر بأعلام كبار مثل جان جاك روسو ورينيه ديكارت ولامارتين وفيكتور هوجو، وسواهم من فلاسفة التنوير.
أما الذين يجعلون من جهلهم سلّماً للتطاول على من وصفه الله بأنه على خُلق عظيم، فإن الردّ عليهم لا يكون بارتكاب الإثم العظيم، كما فعل ذلك المراهق الشيشاني الأرعن.. بل بالعمل بقول الله تعالى في القرآن الكريم: «وقولوا للناس حُسناً».
فكم من عقاب هو أبشع من الجريمة.
*كاتب لبناني