تعودت منذ سنوات طويلة متابعة الحملات الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية عن كثب، خاصة الحوارات المباشرة بين المرشحين الرئاسيين الأخيرين، اللذان يقوم كل من الحزبين «الديمقراطي» و«الجمهوري» بتسميتهما لكي يمثلانهما كمرشحين رئيسيين، وتعودت أيضاً أن أقوم بالكتابة المكثفة حول الحملات الانتخابية وتطوراتها وأحداثها وكافة النقاشات والحوارات التي تدور حولها.
وتعودت أيضاً أن أكون متواجداً في العاصمة واشنطن لكي أشهد العملية الانتخابية عندما تسمح لي الظروف وتكون مواتية. لكن في هذا العام وفي الانتخابات الحالية لعام 2020 جميع ذلك لم يحدث لأسباب كثيرة أولها وليس أهمها جائحة «كورونا» التي تمنع البشر حالياً من التنقل بحرية والسفر إلى حيث يشاؤون.
لكن السبب الرئيسي والأكثر أهمية الذي جعلني أمتنع عن الكتابة حول الانتخابات الحالية هو التغير الجديد فيما يبدو في الثقافة السياسية الأميركية في الجانب المتعلق منها بما يفعله ويقوله كل مرشح عن الآخر والتركيز على الأشخاص عوضاً عن البرامج الانتخابية وما سيقدمه كل منهما للأمة الأميركية عندما يصبح رئيساً لها.
ويبدو فعلاً بأن تغييرات عميقة آخذة في الإلمام بالثقافة السياسية للولايات المتحدة فيما يتعلق بالوسائل التي يتم عن طريقها اختيار المرشحين للرئاسة، فالعديد من الصمت ووسائل الإعلام والمعلقين والمراقبين السياسيين يشنون حملات عنيفة على تلك الوسائل.
ويقول البعض منهم إن الحملات الانتخابية طويلة ومملة وباهظة التكاليف وبأن من يتم اختيارهم كمرشحين ليسوا هم الأفضل دائماً من بين الموجودين على الساحة السياسية، وبأن القضايا التي تهم الأمة يتم إعطاؤها تغطية واهتماماً قليلاً في حين يتم التركيز على الجوانب الشخصية للمرشحين، خاصة من قبل وسائل الإعلام كالتلفزيون والإذاعة اللتين يستمد منهما المواطن الأميركي العادي معلوماته حول المرشحين.
والواقع أنه يوجد قلق حول شخصيات ومؤهلات المرشحين، وحول ما إذا كان النظام الانتخابي القائم حالياً يشجع الأشخاص الأفضل لخوض غمار السياسة والوصول إلى سدة الرئاسة.
وكمراقب عاصر وحضر انتخاب ستة رؤساء للولايات المتحدة منذ انتخاب رونالد ريجان عام 1981، فجورج بوش الأب 1989، فويليام «بيل» كلينتون عام 1993، فجورج بوش الابن 2001، فباراك أوباما 2009، وأخيراً دونالد ترامب 2017، كطالب دارس للنظم السياسية المقارنة ثم كأستاذ للعلوم السياسية، وأخيراً كدبلوماسي في سفارة دولة الإمارات في واشنطن، وهو تواجد كانت له دائماً علاقة بالنظام السياسي للولايات المتحدة وبانتخاب الرؤساء الأميركيين الستة، أجد نفسي قادراً على القول بأن الشعب الأميركي لديه المعرفة والاستيعاب لاختيار أفضل المرشحين للرئاسة وبأن النخبة السياسية لديها الطاقة والمكنون لتقديم أفضل مما هو متواجد على الساحة لقيادة الأمة الأميركية.
لذلك فإنه في مقالة موجهة إلى القارئ العربي حول التغير في الثقافة السياسية لشعب الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة من المفيد التأكيد على إننا لسنا بصدد الانحياز لمرشح دون الآخر، أو حتى بصدد الاستشراف بمن هو الذي سيفوز، فهذه المقالة لا تهدف إلى شيء من هذا القبيل إلا إذا كان الأمر يتعلق بالمصالح العليا لدولة الإمارات.
والمهم في الأمر أن طريقة اختيار رؤساء الولايات المتحدة لم تكن في يوم ما بالعملية الجميلة أو بالمهمة السهلة في مؤتمر تسمية المرشح.
الواقع أن الأميركيين يعتقدون بأنه ليس ضرورياً أن تكون طريقة الاختيار جميلة أو سهلة، إنما الذي يهم أن تكون عملية ومفيدة فشكلها ليس ذا قيمة لديهم.
إن الانتخابات القادمة في الثالث من نوفمبر القادم ستكون صعبة وغير جميلة، وستكون قاسية جداً على الذي يخسرها من المرشحين. ونحن كما أشرت لن نستشرف بمن هو الفائز فيها، فقد قمت بذلك في انتخابات 2016 وكان استشراف غير مصيب، فلننتظر إلى يوم إعلان النتائج النهائية وأن غداً لناظره قريب.