في عام 2003، انطلقت حملات شعبية في الشرق الأوسط تدعو إلى مقاطعة البضائع الأميركية بسبب الاجتياح الأميركي للعراق حينها، وكانت تلك الحملات بداية لنشوء ثقافة المقاطعة التجارية في العالم العربي. وأذكر شخصياً كيف كان بعض الشباب  يقفون أمام أبواب المحال التجارية ويوزعون منشورات توضح أسماء المنتوجات الأميركية التي يتوجب الاستعاضة عنها بمنتوجات عربية وإسلامية بديلة، رغم أن أغلب العلامات التجارية الاستهلاكية الأميركية يتم تصنيعها في بلدان الشرق الأوسط! وكذلك مطاعم الوجبات السريعة والمقاهي والمشروبات الأميركية، التي عانت من انخفاض ومبيعاتها نتيجة لحملات المقاطعة.
لكن السلع والبضائع والشركات الأميركية أصبحت الآن رموزاً للعولمة الرأسمالية. ومما لا شك فيه أن مبيعاتها في منطقة الشرق الأوسط تأثرت حينها لأسباب عاطفية دون أدنى إدراك من قبل المقاطعين أن المتضرر الأول هم الموردون والتجار المحليون والشركات المحلية وموظفوها وعوائلهم، فمثلاً المطاعم والمقاهي الأميركية المعروفة عالمياً هي عبارة عن «امتيازات تجارية»، أي أن التاجر المحلي (أو أي تاجر في أي مكان من العالم) يقوم بشراء حق استخدام العلامة التجارية الأميركية فقط مقابل رسوم سنوية، بمعنى أنك عندما تقاطع مطعمه أو مقهاه، فالشركة الأجنبية صاحبة العلامة التجارية لا تتأثر بأي شيء، فهي سوف تأخذ رسومها السنوية سواء ربح التاجر أم خسر.
مشاهد خلو أرفف المحلات التجارية والجمعيات التعاونية من بضائع دولة إحدى مؤسساتها أساءت استخدام حرية التعبير، سبق أن شاهدناها أيضاً عقب حملات مقاطعة البضائع الدنماركية عام 2005، واليوم تتكرر حملات مقاطعة البضائع الفرنسية في بعض محال دول المنطقة من دون صدور قرارات رسمية، وإذا كان بعض الشباب العربي  يميل إلى استخدام ثقافة المقاطعة، فإنهم  بحاجة إلى وعي أكبر يعصمهم من الانجرار نحو الخطابات الشعبوية العاطفية، التي يمثلها حالياً الرئيس التركي أردوغان، وقبل اتخاذ قرار المقاطعة عليهم تمحيص الموقف بعناية للوقوف على الأطراف المتضررة؟ ومن هي الجهات التي تقف خلف تلك الدعوات؟ ستلاحظون أن أول من يقف خلفها هم المنتمون إلى التيار الإخواني، وهذا ليس بالأمر المستغرب، أما من يريد أن يقاطع فهذا شأنه، ولا يحق له أن يُلزم الآخرين بسلوك منهجه، وأما عن كيفية مواجهة من يسيء استخدام حرية التعبير، فذلك يكون عبر القانون فقط، تماماً كما أعلن مجلس حكماء المسلمين الأسبوع الماضي، عن قراره بتشكيل لجنة قانونية دولية لرفع دعوى قضائية على مجلة «تشارلي إيبدو». 
من أعظم الاختراعات الفرنسية التي خدمت البشرية دواء «الأسبرين» الذي اخترعه عالم الكيمياء الفرنسي شارل فريدريك غيرهارد عام 1853، ويُعد هذا الدواء اليوم الخيار الأول لمعالجة العديد من الأوجاع، وكذلك عندما نذهب إلى المستشفى لطلب العلاج يحتاج الطبيب إلى سماعته الطبية للكشف علينا، فهل سنمنع الطبيب من استخدامها كونها من اختراع الطبيب الفرنسي رينيه لينيك عام 1819؟