تراكمات كثيرة جعلت الحاجةَ مُلحةً إلى إجراء مراجعات عاجلة في الفكر الإسلامي، وتصحيح جوانب يُعتد بها في الخطابات المرتبطة به. فقد أتاح التأخر في هذه المراجعات استغلال المتطرفين نصوصاً فقهية، بعضها يتعارض مع صحيح الدين، لإنشاء جماعات وحركات إرهابية صارت المصدر الرئيسي للخطر على عدد متزايد من البلدان العربية منذ سبعينيات القرن الماضي.
وحدث هذا التأخر لأسباب من بينها، وربما في مقدمتها، إغفال أهمية نشر المنهج العلمي في فهم الدين، واقتصاره على دوائر محدودة من العلماء والباحثين، وغيرهم من ذوي التكوين العقلي المستنير. وفي كثير من الأحيان، لم تكن قواعد المنهج العلمي كلها حاضرة حتى في بعض هذه الأوساط، رغم وجود مساهمة مبكرة بالغة الأهمية تعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي، وهي كتاب الشيخ الأستاذ أمين الخولي العالم الأزهري الذي مرت قبل أسابيع 125 عاماً على ولادته. 
وضع الشيخ الخولي قواعد المنهج العلمي في بحث الأديان وفهمها منذ 85 عاماً، في كتاب كان مقرراً على طلاب كلية أصول الدين في منتصف الثلاثينيات، فقد طُلب إليه تدريس مقرر تاريخ المِلل والنحل في العام الدراسي 1935-1936، فوضع هذا الكتاب في جزأين، خصص أولهما لشرح قواعد المنهج العلمي، والثاني لتطبيقه على الدين اليهودي.
وكان هذا، في حدود معرفتي، أول بحث عميق باللغة العربية في منهجية دراسة تاريخ الأديان، التي هي نفسها المِلل والنحل كما شرح الخولي في التعريفات التي أوردها في مقدمة الجزء الأول. فالمِلة هي الطريقة المسلوكة، والشريعة، والدين وجُملة ما يجيء به الرُسُل. والنحلة في اللغة تعني الدين. فيُقال ينتحل كذا، أي يدين به.
ويوضح الخولي ثلاث قواعد أساسية يقوم عليها المنهج العلمي؛ الأولى أن فهمنا للدين يتطور عبر التاريخ؛ والثانية ضرورة الاعتماد على مصادر أوسع من الرواية المنقولة أو الخبر المسرود، والثالثة النقد العقلي الاجتماعي للروايات التاريخية بمنأى عن الهوى والتعصب. 
كما يشرح أن البحث في تاريخ الأديان لابد أن يعتمد على دراسة كل من فلسفة التاريخ وعلم الاجتماع. ففلسفة التاريخ ضرورية لكي لا نكتفي برصد ظواهر الأمور، بل نحلل أسباب حدوثها، والقوانين التي تحدد اتجاهاتها. أما علم الاجتماع فيُمكننا من الكشف عن السُنن الاجتماعية في حركة التاريخ. 
ومن أهم عناصر المنهج العلمي في دراسة تاريخ الأديان عند الخولي ما يتعين أن يفيد في تحقيق التوافق بين العقيدة، والبيئة التي يعيش فيها المؤمنون بها، ويساعد في فهم الفوارق الفاصلة بين البيئات المتعددة، إذ تتميز كل دولة، أو مجموعة دول متجاورة، ببيئة ربما تختلف عن بلدان أخرى. وخلاصة الكتاب المنسي تُفيد الحث على إعمال قواعد المنهج العلمي، عن طريق إعطاء الأولوية للعقل على النقل، ورؤية المطلق ضمن حركة الزمن، وإدراك الدين في إطار ظروف الحياة. 
وهكذا، سبق أمين الخولي زمنه، وربما انتبه مبكراً جداً إلى عواقب وخيمة لوجود جماعة «الإخوان» التي أُنشئت قبل سبع سنوات تقريباً على كتابه الذي لم يُستفد منه، أو يُبن عليه ليكون أساساً لمشروع كبير عن قواعد التفكير العلمي في المسائل المتعلقة بالدين وفهمه على أسس صحيحة، رغم كتابات كثيرة عن هذا التفكير في ذاته. ومن أهمها أعمال الدكتور فؤاد زكريا، الذي يصادف العام الحالي أيضاً ذكرى مرور عشر سنوات على رحيله. ومن أهم هذه الأعمال كتابه «التفكير العلمي» الذي صدر في سلسلة «عالم المعرفة» عام 1978. ويشرح الدكتور زكريا في هذا الكتاب كيف أن التفكير العلمي ليس محصوراً في العلماء، أو لا ينبغي أن يكون مقصوراً عليهم، لأنه لا يتطلب تخصصاً فيه، أو معرفة قواعد علمية معقدة، بل يمكن استخدامه في أمور الحياة اليومية، والأنشطة التي يقوم بها الناس في أعمالهم وتفاعلاتهم وعلاقاتهم مع غيرهم.
يكفى أن يكون تفكير الإنسان منظَّماً وتراكمياً وقائماً على البحث في الجوانب المختلفة لما يفكر فيه، ومتسماً بالشمول لكي يُعد علمياً. ويمكن لأي إنسان أن يفعل ذلك إذا رغب، وامتلك الإرادة اللازمة لتطوير قدرته على التفكير، وقرر ألاَّ يستسلم لمعتقدات شائعة غالباً ما تكون موروثة، وربما يدخل بعضها أو كثير منها في باب الخرافة.
وليتنا نُعنى بتوثيق المساهمات العربية في مجال التفكير العلمي عموماً، والمنهج العلمي في دراسة الأديان وفهمها خصوصاً، ضمن العُدة اللازمة لمواجهة التطرف والعنف والإرهاب.