لعلَّ أول مرة يظهر على شاشة عراقية، بعد 2003، برنامج بجرأة برنامج «المراجعة»(ملف الحوار بين الدِّين والعلمانيَّة)، فأكثر البرامج كانت سياسية، وإذا ثقافيَّة فهي بما يريده أصحاب المنابر، ويحبذه الإسلام السِّياسي، ناهيك عن أنَّ كل حزبٍ وميليشيا لها فضائياتها الخاصة، لها الحقّ بما تشاء تقديمه، أما مَن ينتقدها فمصيره الخطف. وإذا كانت مؤسسة إعلامية فتُحرق بلا حسيب ورقيب، مثلما حدث لفضائية «الحرة» و«دجلة»، ومقر «الحزب الدِّيمقراطي الكردستاني». كان مُقدم البرنامج إعلامياً ناجحاً، وقدم عدة برامج حواريَّة، لكنَّه في هذا البرنامج بالذات، كان حذراً، لأن الأمر يتعلق بعقيدة الأحزاب الدِّينيَّة، وهناك مِن المحاورين مَن لديه نقد عقائد تلك الأحزاب وممارستها، وفي مقدمة ما يبحث مسألة «ولاية الفقيه»، المحرمُ عبر فضائية رسميَّة، ومقدم البرنامج له آراء وكتابات تتعارض مع نهج الإسلام السِّياسي، وله تجربة سابقة بينهم. 
لذا عندما مَن يُعّدُ ويُقدمُ مثل هذا البرنامج تُحصى عليه الأنفاس، لأنه يؤخذ بالفكر النَّاقد لتلك التجربة، وكنتُ أحد ضيوف هذا البرنامج، عندها شعرتُ بالإحراج الذي كان به المُقدم، عندما تناولتُ الحاكمية بشقيها الإسلام السياسي الشَّيعيّ والسُّنَّيّ، وعن فشل الإسلاميين مِن إيران إلى السُّودان وأفغانستان، وما تعرض له المرجع شريعتمداري(ت1985) مِن قسوة على يد تلامذته رجال الثَّورة. أقول مِن حقَّه وهو يرى مَن يُخطف لا يعود، ومَن يقتل لا حرج على قاتله. 
حصل أنْ استضاف سعدون محسن ضمد، في برنامجه، آية الله كمال الحيدري، وهو رجل دين عراقي، ولد بكربلاء ودرس بالنجف واجتهد في الفقه والبحث، ويعيش بقمّ الإيرانيَّة، وربَّما كان الأخير أحد المؤثرين في مقدم البرنامج، أن يخرج مِن بوتقة اليقينيّة، في الأخبار والرِّوايات، والتي تُشكل الإيمان لدى السّواد الأعظم، ولكن مِن دون تدقيق ونقد، ولسعة ما عند الحيدري مِن تصحيح وتجديد، ولمعرفة المقدم بضيفه عن قُرب، لذا استضافة في خمس حلقات، وكان متجهاً معه إلى السَّادسة. لكنَّ الحيدري كشف عمَّا كان غائباً على الأتباع، وبهذا لم تبث الحلقة السَّادسة، بل والبرنامج بالكامل توقف. 
مِن غير ما طرحه الحيدري، في تلك الحلقات، ففقهاء الإماميَّة يعتبرونه ضد المذهب، بينما لم يتحدث إلا مِن بطون الكتب. لا أحد ينكر أن فقهاء سُنَّة يُكفرون الشِّيعة، مِن الأولين والمتأخرين، وهو أمر معروف، وهذه مؤاخذة يتحدث بها فقهاء شيعة، على أنهم المُكَفَّرُونَ مِن قِبل المذهب الآخر، لكنَّ ما صرح به الحيدري أن فقهاء الشّيعة المتقدمين والمتأخرين، يُكفرون السُّنَّة أيضاً، وكل مَن لا يقر بالأئمة الاثني عشر مِن إسماعيلية وزيدية، فمَن لا يقر بإمامتهم السِّياسيَّة كأصل، يكون مسلماً وليس مؤمناً، وطرح ما عُرف بالإيمان الظَّاهر، وقيل كافر بصريح العبارة. لم يأت الحيدري بذلك مِن رأسه، إنما كان يقرأ نصوصاً. 
اعتبر ما حصل، في ذلك البرنامج زوبعة كبرى، تُضاف إلى الزَّوابع التي يطرحها الحيدري منذ سنوات، وأهمها قضية عدم جواز أخذ الخُمس مِن أموال «المكاسب»، وقضية الإمامة نفسها، وقضية التَّقليد وغيرها. لم يكن الحيدري خارجاً عن المذهب، بل يريد أنَّ يكون الاعتقاد مبنياً على أُسس، وألا يبقى الإنسان تأخذه أمواج الرِّوايات والأخبار. 
أرى أنْ ما طرحه الحيدري، وأدى إلى وقف البرنامج، وتعرضه إلى التَّطاول عليه في بيانات بعذر أنَّه يُشجع التكفير والفرقة الطَّائفيَّة، سيُساهم في إطفاء المذهبيَّة، لأنها مؤسسة على تحميل التَّكفير لطرف دون الآخر، وبجريرة ذلك يُحشد الأتباع. لكنّ لو فَهم الأتباع أنَّ كلا الطّرفين يتحملان نتائج التَّكفير، سيُنظر إلى الاختلاف المذهبي بعقل وروية، وهذا عين ما قصده الحيدري، فالكتب التي فيها التَّكفير تُباع وتُدرس، وللمطلع لم يكن ما أذاعه الحيدري سراً. 
إنها زوابع لا بد منها تبنى الحيدري إثارتها وبالأدلة، حتَّى لا يُصار إلى التفريق بين التّاريخ والدِّين، وأن لا يكون المسلمون، كمَنْ قال فيه القاضي عياض(قُتل544هجرية): «إنّي لأسمع الحديث لحناً فألحن كما سَمعتُ»(الإلماع إلى معرفة أُصول الرِّواية وتقييد السّماع).