بعد أن دخلت فرنسا في حلقة دامية من العنف والإرهاب جراء التأجيج الحاصل بعد حادثة الرسوم المسيئة ونحر المعلم الفرنسي على يد شيشاني مسلم، تترآى في الأفق الفرنسي سياسة جديدة للتعامل مع الإرهاب بعد أن وجَّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزير داخليته جيرالد دارمانان بزيارة إلى تونس والجزائر نهاية هذا الأسبوع للقاء نظيريه هناك والتباحث حول ترحيل الإرهابيين. 
وتتزامن هذه الزيارة بعد الاعتداء الإرهابي الذي وقع الأسبوع الماضي أمام كنيسة في مدينة نيس جنوب البلاد، وأودى بحياة ثلاثة أشخاص، بالإضافة إلى حادثة نحر المعلم قبلها بأيام.
ولا شك في أن سياسات فرنسا السابقة المتساهلة مع المتشددين لها دور في مستجدات الإرهاب الحالية، والتي تطل برأسها من حين لآخر، وكذلك تشريعات التي تضمن حق اللجوء وضمانات الهجرة التي توفرها لكل وافد على أرضها، فضلاً عن دستورها الذي يكفل حرية التعبير والنقد، وما يندرج تحت هذه الحرية من نقد الأديان والمقدسات (سواء أكانت إسلامية أم غيرها).
وهذا التعارض الذي تواجهه فرنسا بين الحريات والأيديولوجيات المختلفة التي تحتضنها وما ولدته من زعزعة لأمنها واستقرارها، يجعلها أمام خيار واحد فقط هو الضغط على الاتحاد الأوروبي والاتفاق على خطوة فاعلة للحد من الإرهاب، وهي تجريم جماعات الإسلام السياسي المتمثلة بتنظيم «الإخوان» الذي وجد في الغرب وأوروبا على وجه الخصوص حاضنة آمنة لتغوله وتوسع مخاطره، خصوصاً بعد حادثة الكنيس اليهودي في فينيا، والتي قام بها شاب ألباني مسلم وراح ضحيتها حتى كتابة هذه السطور 4 أبرياء. والحال في دول أوروبا متشابه والخطر قائم طالما ظل تمكين هذه الجماعات المتطرفة قائماً، فلا حل حاسم لهذه الاعتداءات إلا بتجريم الجماعات المتطرفة وطردها، ولتكن التجربة السعودية والإماراتية مثالاً ناصعاً لتراجع العمليات الإرهابية بعد دحر وتجريم تلك الجماعات وهروب رموزها إلى الخارج لتتلقفهم شعارات الحرية والديمقراطية في تجربة غير ناضجة لإعادة تدوير الإرهاب بشكل أو بآخر.. هذا فضلاً عن تلك الجماعات التي ترعرعت وتفاقم عنفها وإرهابها تحت تلك الشعارات!
حلقة الصراع التي تخوضها فرنسا في الوقت الحالي هي حلقة صراع مع آلة «الإخوان المسلمين» في واقع الأمر مدعومةً وممولة من قطر ومن «حزب العدالة والتنمية» في تركيا برعاية رئيسها أردوغان، فالتيار الإخواني يشعل فتيل الإرهاب الفكري على الأراضي القومية الفرنسية، ويؤجج أذناب التيارات المتشددة داخلها لتتحول إلى إرهاب فعلي كما حدث خلال الأيام السابقة، ولأن فرنسا باتت في الأشهر القليلة الماضية تمثل حائط صد أمام المحور الإخواني والتركي بعد أحداث ليبيا والبحر المتوسط، فإنه لا بد من زعزعة هذا الحائط الذي لم يعد ممكناً إلا بتفجير أزمة داخلية في فرنسا بدأت بالحوادث الأمنية في مدن فرنسية وتعبئة إعلامية عالمية أطلقتها أصوات إخوانية ضد باريس وماكرون وتصريحات موتورة من أردوغان شخصياً!
منذ عقود مضت وإرهاب الجماعات المتأسلمة يحاول التموضع على شكل دولة أو خلافة، بدءاً من كهوف «تورا بورا» وحركة «طالبان» التي آوت «القاعدة»، وصولاً إلى «داعش» التي خرجت من صلب جماعة «الإخوان المسلمين»، وطالما توافرت لهذه الأخيرة الحاضنات والشعارات الضامنة لبقائها وتمكينها، فسوف يواجه العالم أحداثاً دموية متكررة من حين لآخر.