لا يخلو تاريخ أي عهد سياسي لدولة ما، وأي مسار حياة لشخص معين في مشارق الأرض ومغاربها من أزمات تضربه بين حين وآخر، فالثابت أن الموتى فقط هم من لا يتأزمون أبداً. وحين تقع أزمات للدول والمجتمعات تحين فرص وتتسع سبل التعبير عنها، بدءاً من البوح والتشخيص والتعريف والإبلاغ وانتهاء بانقضاء الأزمة أو كتمها، مروراً باستعراض الحلول، أو إجراءات الخروج الناجعة، ولا يأخذ التعبير مجراه الطبيعي إلا عبر الإعلام، سواء كان تقليدياً مقروءاً أو مسموعاً أو مرئياً، أو جديداً تمثله وسائل التواصل الاجتماعي على اختلاف أشكالها.
لأجل هذا يبدو كتاب الباحث والكاتب يوسف جمعة الحداد «الإعلام الإماراتي وإدارة الأزمات في عصر الثورة الرقمية» مهما لاسيما أنه لا يكتفي بوصف واستعراض وتحليل بعض الرؤى النظرية حول «إعلام الأزمة»، إنما يقدم نماذج أو حالات تطبيقية لهذا منها إدارة أزمة كورونا، وحرب اليمن، وظاهرة الإسلاموفوبيا، وبعض الحوادث الإرهابية، والأزمة المالية العالمية. ويطرح بعض هذا في إطار مقارن بين إعلام دول عدة هي الإمارات وقطر والسعودية وتركيا وإيران، ثم الإعلام الدولي بشكل عام، ما يعطي رؤيته وخلاصاته بعدًا أعمق.
يبرهن الكتاب على أنه لا يوجد في عالم اليوم «إعلام معزول»، فالثورة الرقمية التي حوّلت العالم إلى غرفة صغيرة تأخذ أي أزمة من طور «المحلية» إلى «العالمية» في ثوانٍ معدودات عبر الضخ الهائل للأخبار والآراء والمعلومات، لتصنع ما يمكن تسميته بـ «الرأي العام العالمي»، لاسيما في القضايا الإنسانية والسياسية والحقوقية التي تتكرر عبر الأزمنة والأمكنة، أو تلك غير المألوفة التي تثير الدهشة والاستغراب، ولا يمكن التعمية عليها مهما كان في ظل رواج وسائل التواصل الاجتماعي.
في تقديمها للكتاب أكدت معالي نورة بنت محمد الكعبي وزير الثقافة والشباب بدولة الإمارات العربية المتحدة أن «الميزة اللافتة للنظر في هذا الكتاب أنه، ومن وحي تحليله لدور الإعلام الوطني في تناوله القضايا الداخلية والتحديات الخارجية، وضع أمامنا تصوراً متكاملاً يعد أساسا قابلاً للبناء عليه لجهة تطوير استراتيجية إعلامية وطنية فاعلة ومؤثرة في إدارة احتواء الأزمات».
وأعتقد أن أي استراتيجية للنهوض بالإعلام، لا بد لها أن تأخذ في الاعتبار عطاء مختلف المدارس الإعلامية. والكتاب تناول طرفاً من هذا، لكن الاستعارة أو التقليد أو الاعتماد على نقل التقينات والوسائل والوسائط المتقدمة لن ينفع وحده في تحقيق هذا الهدف، سواء كان الإعلام يواجه أزمة، أو يمر بأوقات من السكينة والهدوء السياسي والاجتماعي، إنما يجب أن ينشغل الإعلام بثلاثة أشياء أخرى وهي: القيم أو المبادئ، والمحتوى، وصانعو الإعلام أو العقول التي تقف وراء إنتاج الرسالة التي يقصد بها الجمهور.
فقدرة الإعلام على الإسهام في مواجهة الأزمات، أو حتى استعداده لاندلاعها في أي وقت، لا يمكن أن يكون منبت الصلة عن المبادئ التي يتسم بها الإعلام الفعال من حرية التفكير والتعبير والنزاهة والحيادية والتوازن، ووجود محتوى يتسم بالرسوخ والنضح، ويمثل قضايا الناس الحقيقية، ويعمل على تحقيق التنوير والتقدم، وكذلك وجود أشخاص مهرة متمرسين يقفون وراء إعداد المحتوى ودفعه إلى متلقينه.
ولعل ما يتعلق بهذه القيم وهذه المبادئ والتقاليد المرعية في صياغة الرسائل الإعلامية، هو ما يجب أن يمثل أسئلة حقيقية، من المهم أن يجيب عنها الإعلام العربي عموماً إن كان يسعى حقاً إلى قطع الطريق على إعلام لا يمتثل بالضرورة لقيم المجتمع الراسخة- ولا يلتفت لحاجة الناس- إلى لون من الإعلام يعبر عنهم.