إدراكاً من الحكومة الاتحادية بأهمية الثقافة والتعليم والقراءة والكتابة ووجود وسائلها في يد المواطن في جميع أرجاء دولة الإمارات العربية المتحدة، عملت على توفيرها له بالمجان منذ بداية قيام الدولة. إن توفر هذه الجوانب، وجعلها في متناول يد الجميع على المستويات الشعبية كافة، هو أحد الأسباب الرئيسة التي جعلت هذا الوطن ينهض سريعاً في غضون أقل من خمسين عاماً من عمر الزمان.
لقد أدركت القيادة الرشيدة هذا الأمر مبكراً، فسعت بخطى حثيثة لكي تجعل من شعب كانت نسبة الأمية في أوساطه عالية إلى شعب لا يوجد بين أفراده شخص واحد لا يعرف القراءة والكتابة، بمعنى أن نسبة الأمية في أوساط مواطني دولة الإمارات العربية المتحدة، وصلت الآن إلى الصفر، وهذا إنجاز عظيم في أوساط أمم العالم النامي، ولا يتواجد لدى العديد منها رغم أنها سبقت الإمارات إلى إدخال التعليم الحديث لديها بسنوات طويلة.
وعلى مدى السنوات الخمسين التي عشتها من عمر الدولة الاتحادية، لاحظت بأن أولي الأمر فيها كانوا مدركين منذ البداية، بأن عدم توفر وسائل التعليم والتعلم هو أمر كارثي، وقد يصبح معيقاً لحركة ومسار التنمية الشاملة المستدامة للبلاد، لذلك فإن من الواجب إزالته تماماً بأسرع وقت، وبالثمن الذي يتطلبه دون توفير أو تقتير.
وانطلاقاً من الإيمان الراسخ بأن الاقتصاد هو عصب الحياة لأي مجتمع بشري كان التركيز هو إقامة اقتصاد وطني إماراتي مبني على المعرفة والمهارة والإبداع، وهذه مسائل لا يمكن أن تتوفر للمجتمع دون وجود تعليم جيد.
لذلك كانت نقطة البداية هي توفير البنية التحتية الأساسية للتعليم الجيد قائمة على بناء المدارس العصرية واستقطاب المعلمين الأكفاء من كافة الأقطار التي يمكن استقطابهم منها إلى جانب المعدات والوسائل التعليمية الأخرى اللازمة، وفي أسرع وقت ممكن وإيصالها إلى المواطنين في أرجاء الوطن كافة.
وضمن عملية التشييد الواسعة التي شرعت فيها الدولة الاتحادية كانت عملية الاستفادة مما توصل إليه الآخرون حاضرة في جميع المراحل، فتم استيعاب وتبني ما هو صالح في الوقت نفسه، الذي تم فيه استبعاد كل ما هو طالح، والاستفادة من الأخطاء التي تم الوقوع فيها وتصحيحها ونبذ كل ما هو غير مفيد من التجارب التي مرّت بها العملية التعليمية واسعة النطاق التي تم الشروع فيها.
وربما أن عمليات المراجعة والتنقيح والتصويب والتصحيح والتقويم، هي الأسباب المهمة التي أدّت إلى نجاح الجهود الخاصة ببناء نظام تعليمي جيد، وإلى الاستفادة التراكمية من تجارب البلاد الخاصة وتجارب الأمم الأخرى التي لديها نظم تعليمية ممتازة.
لقد تم التركيز في أول الأمر على إقامة تعليم أولي أو ابتدائي قوي وزيادة مهارات الناشئة وتكوين ملكات حب التعلم والإنتاجية.
وكان السبب في ذلك التركيز هو النظر إلى مسألة التعليم على أنها عبارة عن معادلة من المدخلات والمخرجات والتغذية الاسترجاعية، فإذا ما قمنا باستخدام مدخلات مادية مجزية من أموال سائلة وبنى تحتية صلبة وموارد بشرية مؤهلة، فإننا سنحصل على مخرجات تعليمية جيدة، وهذه المخرجات الجيدة نقوم بتقييمها كعملية استرجاعية نبني من خلالها على الجيد ونستبعد الرديء.
وهذا هو الذي يحصل الآن في دولة الإمارات، حيث بدء بالمدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية الجيدة، فكانت مخرجاتها جيدة، فانتقلنا إلى الجامعة والدراسات العليا. وها نحن الآن نشهد نهضة تعليمية كبرى قوامها أفواج من خريجي البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، وهذه جميعها تصب في مصلحة الاقتصاد الوطني الذي أصبح قوياً ومتيناً نباهي به أمم الأرض الأخرى كافة.
*كاتب إماراتي