شرق أوسطياً، كان المزاج العام ترمباوياً، حتى مع وجود مؤشرات قاطعة بفوز بايدن بعد دخول عملية الفرز يومها الثالث، فهل كان ذلك نتيجة استمزاج الرأي العام، أم افتراض النخب أن ذلك هو مزاج الخاصة؟ تاريخياً، كان للعلاقات العربية (الخليجية) الأميركية محطات مضيئة وأخرى اكتنفتها تحديات كبرى خلال العهدات الرئاسية «الجمهورية» و«الديمقراطية»، ومهما كانت تلك التحديات، التي قد تمثلها العهدة الأولى للرئيس بايدن (إنْ أكدت البيانات النهائية فوزه)، فهي لن تكون بحجم ما مررنا به منذ 2003 وصولاً إلى 2016.
حجم الإيحاء «الشعبوي افتراضياً» ليس حالة خليجية أو عربية خاصة، بل عالمية، لم يعرف مثيلٌ لها عبر التاريخ، وقد كان لنا نصيبنا من جائحة «المؤثرين» قبل جائحة كوفيد-19، حيث صاحب الأولى طفرة في تأصل ثقافة «الوطنجية» على حساب قيم الوعي والتعقل، ولم يكن علو كعب الرموز النخبوية الشعبوية في المشهد الإعلامي ظاهرة خليجية أو عربية، بل كونية (مجازاً)، إلا أن نشوء واقعٍ موازٍ وقريبٍ في روحه من ثقافة إعلام الخمسينيات من القرن الماضي، هو ما كان يستدعي الانتباه لمخاطره الاجتماعية. 
رغم فداحة الظواهر المصاحبة لهذه التجربة، إلا أنها قد تكون جزءاً من الصيرورة التاريخية اللازمة ضمن معادلة التراكم الكمي في استحثاث الوعي الاجتماعي عربياً، بشرط ألّا نفرط مرة أخرى في الاتكال على «الافتراض النخبوي الشعوبي» المقارب للافتراء على التاريخ، اجتماعياً وإعلامياً، كانت «الحالة الشعبوية» تجربة استوجبت الدراسة، ليس عربياً فحسب بل عالمياً، لما لها من دور في تعزيز النمط المدمر اجتماعياً، وذلك ما أكدته دراسة حديثة صادرة عن موقع العلوم Science بعنوان (الطائفية السياسية في الولايات المتحدة Political Sectarianism in America، المنشور بتاريخ 30 أكتوبر 2020، في المجلد 370، العدد 6516/ بي بي 533-536). 
ما يُستشف من العنوان قبل المتن، هو حجم الانشطار الاجتماعي نتيجة تعمّق قناعات سياسية مسّت بأهم ثوابت الديمقراطية الأميركية، وذلك الثابت هو التصالح السياسي اجتماعياً؛ بل تذهب الدراسة لما هو أبعد من ذلك، في التحذير من خطورة تأصل مفاهيم دخيلة على مفهوم محددات الانتماء الوطني، وبما يهدد المبادئ التي قامت عليها الجمهورية، وتحولها بالتالي إلى جمهورية طائفية سياسياً، ما استقر عليه الباحثون المشاركون في دراسة (الطائفية السياسية في الولايات المتحدة) هو دق ناقوس لتبيان حجم القلق لدى النخب العقلانية من حالة الانفلات القيمي، التي تسببت فيها الشعبوية السياسية وظهيرها المالي. 
التنبّه أو التنبيه من مخاطر مثل ذلك على مجتمعاتنا الناشئة مسؤولية عامة ولا تقتصر على الدولة، إلا أن ذلك لا يعفي الدولة من إجراء المراجعات التحوطية اللازمة عبر مؤسساتها، وهي قادرة على ذلك بعد مواجهتها تحديات اجتماعية واقتصادية كبرى، وقد يكون الإعلام مدخلها الرئيسي كمسرّع استحثاثي مجتمعياً. 
صناعة السياسة شأن وطني خالص للقيادة الوطنية في الظروف غير الاعتيادية، إلا أن تمكين الثقافة الشعبوية سيمثل أحد أكبر التحديات المستقبلية لدولنا ومجتمعاتنا، هل يجب أن ننشغل بما قد يمثله التحول السياسي في شكل الإدارة الأميركية؟ الجواب نعم، إلا أن تسطيح الوعي بما يمثله ذلك التحول لا يقلل من مخاطره، وكذلك هو الحال من فرط تضخيم مصادر القلق من قبل التيار الشعبوي، فمنذ نشأتهم، لم يقدم الشعبويون وتيارهم رؤية أو رأي متكامل، وجُلّ ما قدموه ظواهر صوتية وتفكير رغبي، وكم أتمنى قراءة منهم تتناول الأولويات التحوطية، أو حتى الوقائية بدل التباكي على خسارة ترمب للسباق الرئاسي (إن حسمت نتائج الفرز النهائي ذلك).
نقلاً عن تغريدة للأستاذ علي العود، عن والدته رحمة الله عليها «تدري وش اللي يدبل الكبد يا حمود// هرجة خبل يمشي بها صامل الرأي».

*كاتب بحريني