يراقب العالم بلوعة وحزن، تصاعد حالات العنف على صور جرائم متفرعة في اللبنة الاجتماعية، والبيئة الأكاديمية، والصروح الثقافية، والشوارع العامة، وحتى أماكن العبادة، بشكل لا يعد للوهلة الأولى مبرراً، ليتضح بعدها أن الدافع واحد وراء كل تلك الحالات، متمثلاً في البنية الفكرية المسمومة، والعوز النفسي ظمآن، وكل هذه الأحداث تقودنا لمجموعة من التساؤلات، وأهمها، هل السبب في تصاعد العنف، وإدخاله حيز «الروتين» الاعتيادي هو من جراء تداعيات كورونا؟ أم هو بسبب المماطلة في الإجراءات المناسبة حتى من قبل كورونا. 

إذ يواجه العالم موجة هجينة من العنف، لا تتحمل المؤسسات كامل المسؤولية في إحداثها، وبخاصة أن شريحة واسعة من المجتمعات اليوم، تمثل خلايا نائمة فكرية غير منظمة، لا يعزى حالها إلا لجائحة أشد قسوة من كورونا، ذلك أن الجائحة الناتجة عن عوز المناعة الثقافية، والمخزون المعرفي، والحاجة النفسية، ممكن أن تؤدي لإنهاء الأفراد حياتهم بأيديهم دون الحاجة لفيروس تاجي، ويضاف لها ظلمة العزلة وقيود الحرية «الحركية والتجولية»، والتي أكد على سلبيتها الدكتور «فيل رايت»، مدير البحوث في جمعية علم النفس الأميركية، بقوله: «هناك حزن طبيعي على فقد الأحبة الذين يتوفون بسبب الوباء، لكن قد نشعر بالحزن حالياً بسبب خسارتنا لأشياء كنا قد اكتسبناها أو اعتبرناها من المسلمات، مثل الحرية»، إذ يعتبر المكوث لساعات طويلة في ذات البقعة المكانية، أو أمام الشاشات الالكترونية عاملاً ساماً للطبيعة البشرية المجبولة على الحركة والعمل. 
وهذا لا يعني على الإطلاق كسر قيود الإجراءات التي وجدت لصون الروح البشرية، بل يعني ضرورة إيجاد سبل ناجحة ووافية، ومتخصصة في «إدارة الإنسان»، وبخاصة في وقت الأزمات التي لم تنجح في ملئ فراغات تداعياتها لا نظام أسري، ولا تعليمي، ولا ترفيهي، لعدم منهجيته المنسقة والمترابطة، ولعدم مراعاة الجانب النفسي «السيكولوجي» معها، فإذا كان الإنسان بحاجة إلى العناق لأربع مرات يومياً للبقاء على قيد الحياة، وثماني مرات لعلاج الآلام، واثنتي عشر مرة لضمان النمو السليم، بحسب ما قالته الطبيبة الأميركية «فرجينيا ساتير»، الطبيبة الأميركية، فكيف يجب أن نتعامل مع ما خلفته الجائحة من أضرار نفسية، بدأت تشوه من أساس البذرة الإنسانية، وتركته دون تواصل واتصال «إنساني»، وعاطفي، بل وضحيةً تتشرب الطاقات المسمومة من خطاب الكراهية على مواقع التواصل الاجتماعي طيلة الوقت.

إن الشرخ الحاصل في العلاقات الإنسانية أصبح لافتاً بشكل ملحوظ، مما يدعو للتساؤل عما إذا كان قد تولد بفعل  السلوكيات «المؤقتة»، من إجراءات احترازية، وولد فجوة من الفراغ والعزلة في مناسبات افتقرت إلى التواصل كالسابق، ومن ذلك فلا بد من محاولة للخروج من فوهة الإحباط العالمي، الذي نتج من تصاعد حالات العنف التي غطت كافة المجالات، ممتدة من أسمى العلاقات الإنسانية بين الأم وطفلها، تاركةً هشاشة واستباحة في البنيان الأسري، مما يعني شرخاً اجتماعياً، وتيهاً نفسياً متعطشاً لما يعيده لفطرته السليمة، ويحول صفحات حياته وما يتابع من مواقع إلكترونية محفوفة بخطاب المحبة والرحمة، بدلاً من خطاب الكراهية والتشفي.