كأنما الانتخابات التي جرت في الثالث من هذا الشهر في الولايات المتحدة، بين ترامب وبايدن، تحفل بالمفارقات: الشيء وخلافه، المفاجأة والتوقع النسبي، الهدوء وحذره، القبول والرفض، نتائج المجمع الانتخابي وتباينها مع نتائج الاقتراع المباشر، عمليات اقتراع والتشكيك فيها، تضاعف أعداد المقترعين بشكل غير مسبوق مقابل مطالبة ترامب بوقف الفرز في ولاية ميشيغن وسواها، مطالبة بايدن بعدم إعلان النتائج إلا بعد فرز آخر بطاقة اقتراع مقابل إعلان ترامب فوزه ليل الأربعاء الماضي، وترامب يرفع دعاوى قضائية تشكك بالنتائج (خصوصاً في بنسلفانيا)، مقابل ما قاله بايدن من أن الانتخابات لم يُشبها أي اختلال قانوني.
فهل كل هذه المعمعات والارتدادات أهي من صُلب الديمقراطية؟ نعم! وهي مستمرة منذ نحو قرنين.. لكن، رغم ذلك، نتساءل: ألم يئن الأوان لتعديل أو لتطوير هذا النظام الانتخابي القائم على ثنائية الاقتراع المباشر العمومي، وعلى تصويت المجمع الانتخابي، واحد يفوز هنا ويسقط هناك، هيلاري كلينتون تفوقت على ترامب عام 2016 بنحو ثلاثة ملايين صوت ليفوز عليها بنتائج أصوات هذا المجمع! شيء غريب: كأنما هناك انتخابات في جمهوريتين مختلفتين! وهذا ما سبق وأن حصل مع المرشحين آل غور وبوش الابن، حيث فاز الأخير بنحو 500 صوت في ولاية فلوريدا، وحسمت المحكمة العليا لمصلحة الأخير.
إذا كان هذا القانون «الصُلب» يثير مثل هذه التفاوتات والمشاكل والأزمات، ألا يمكن أن يفكر المسؤولون الأميركيون حتى في البحث حول آلياته وتحديد مطباته، والانكباب على حلول توحد النتائج، كما هو الحال في فرنسا وألمانيا وإنجلترا، وسائر البلدان الديمقراطية؟
نقول هذا لأن هذه القضية طرحت مؤخراً في سجالات متلفزة ومقالات في الجرائد والصحف، وأظهرت تبايناً في المواقف والآراء بين الخبراء والسياسيين.
لكن، يبدو أن هذا الأمر جزء من المحظورات عند الأميركيين لارتباطه بتاريخ أميركا بعد انتهاء الحرب الأهلية قبل نحو قرنين. 
ويمكننا الآن القول، وتجاوزاً لنتائج الانتخابات وتداعياتها، أن لا حزب الجمهوريين خسر كلياً، ولا الحزب الديمقراطي ربح كلياً، فالديمقراطيون حاولوا بكل الطرق اكتساح الرئاسة، وقد فعلوا، كما حاولوا انتزاع مجلس الشيوخ من سيطرة الجمهوريين، لكن خاب أملهم.
وفي هذا الإطار، ومن خلال متابعتنا مسارات القوانين، نرى أن الشعب الأميركي هو الرابح الأكبر في هذه التجربة، وأنه قدم صورة ديمقراطية مضيئة للعالم، بل أظهر هذا الشعب أنه أكبر من أحزابه، وهذا هو المهم!
لكن تبقى المخاوف قائمة، وماذا لو أدت النتائج التي باتت معروفة إلى التشكيك بحجة التزوير؟ أو حولت إلى المحكمة العليا، وعارضت أحكامُها ما قد أعلن من نتائج؟ تابعنا موجات الشحن والتجييش وبعض التظاهرات في الشوارع، وملامح عنف هنا أو فوضى هناك، لكن كل ذلك لن يدوم طويلاً، وسيخضع الجميع لنتائج الانتخابات المعلنة.