في إحدى زياراتي للولايات المتحدة الأميركية جلس بجانبي في الطائرة رجل، لما بدأ في قراءة الأوراق التي معه عرفت أنه عضو في الكونجرس الأميركي عن ولاية تكساس. ولما عرف أنني من العالم العربي، سألني عن رأيي في إدارة الرئيس ترامب، فكرتُ كثيراً في الجواب، وتأملت المعطيات. إنني أتحدث مع رجل أبيض من تكساس يمثل الحزب «الجمهوري»، أي حزب الرئيس، فجاملته بقولي: أعتقد أن الرئيس ترامب نجح في إعادة بناء الاقتصاد الأميركي محلياً، وهذا ما يهم الناخب الأميركي. كما أنه أعاد الهيبة للولايات المتحدة خارجياً. ولم أكمل جوابي حتى خرج الرجل عن طوره، وتلفظ بكلمة ليس من الأدب العربي أن أكتبها، تمهلت قليلاً، ثم قلت له: غريب أن يصدر هذا التعليق من عضو «جمهوري» في الكونجرس الأميركي عن رئيس «جمهوري»، فقال لي: ومن قال لك إن ترامب يمثل الحزب «الجمهوري»، إنه رجل أعمال ركب موجة «الجمهوريين» كي يكون رئيساً.
تذكرت هذا الحوار مع الإعلان عن فوز بايدن بالرئاسة الأميركية، لكن بكل شفافية لا شك أن تجربة ترامب في الحكم كانت متفردة في نكهتها، فقد حطم الرجل الأول كل ما كان متعارفاً عليه في البروتوكولات الخاصة بالبيت الأبيض وعلاقته بالولايات الأميركية والعالم. ولعل أجمل ما في تلك الحقبة يتلخص في الصراحة غير المعهودة من الرئيس الأميركي والوفاء ببعض عهوده، لقد عجّل بقطار السلام عندما استطاع أن يقنع الدول العربية غير المجاورة لإسرائيل بأهمية السلام للمنطقة قاطبة، وللقضية الفلسطينية خاصة.
استطاع هذا القائد أن يتوج الحرب على الإرهاب بالانسحاب من الاتفاق الدولي مع إيران، بصفتها أكبر مهدد للاستقرار في المنطقة، إضافة إلى انسحاب أميركا من اتفاقات عالمية عديدة مثل اتفاقية المناخ والسلاح، كما جمّد عضوية أميركا في بعض المنظمات الدولية. لقد نجح الرجل، كما يظهر، في جعل اقتصاد أميركا أقوى وأقدر على المنافسة العالمية، وبالذات من التهديدات التي تواجه الاقتصاد من الصين. ترامب فشل في بناء علاقات إيجابية داخلية مع الكونجرس وبعض الوكالات القوية مثل (إف. بي. آي)، كما كان في صراع واضح مع الإعلام الأميركي، الذي يمثل السلطة الرابعة كما يقولون، لكن أخطر ما في الأمر أنه نسف فكر العمل المؤسسي، وتوجه إلى نمط إدارة الدولة كشركة.
وكما ركب ترامب موجة «الجمهوريين» للوصول إلى البيت الأبيض، استغل التوجه العنصري لدى البعض لتحقيق مأربه. وأختم المقال كما بدأته بقصة، أخبرني أحد أصحابي- وهو أستاذ أميركي أشقر المظهر عربي الأصول- عن التغير العنصري، الذي لمسه من أصحابه المقربين الذين عاش معهم في الجامعة جل حياته ولخص ذلك بعبارة مؤلمة: لقد انكشفت لي عنصرية كنت غافلاً عنها طوال حياتي. وأخيراً، هل ستعود أميركا بلد المؤسسات التي تمثل قمة الديمقراطية وسترجع إلى قيمها التي أسست عليها؟!
*أكاديمي إماراتي