في عام 2016 وعندما فاز ترامب، اشتعلت الهواجس العربية وكثرت الأقاويل حول هذا الرئيس المنتخب الذي يتمتع بصفات غير مسبوقة في البيت الأبيض، كونه الرجل العقاري الثري اللامبالي، والذي كان ترشحه في الأساس صادماً لكل من حوله حتى داخل الحزب الجمهوري نفسه، فكان التوجس مما ستؤول إليه الأمور قائماً حتى أدى أول زيارة له خارج الولايات المتحدة الأميركية متوجهاً إلى المملكة العربية السعودية، وكانت زيارة رسمية عائلية ودية عُقدت خلالها قمة الرياض الشهيرة، وما تبعها من مواقف بددت كل المخاوف.
في العشرين من يناير المقبل، سوف يدخل جوزيف بايدن البيت الأبيض كأكبر الرؤوساء الذين سبقوه سناً وخبرة وانغماساً في المجال السياسي، والوحيد الذي تم انتخابه ست مرات متتالية عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.. لكن هذا لا يلغي عودة التوجس واللغط حول توجهات الرئيس المقبلة، خصوصاً فيما يتعلق بالشرق الأوسط، وتحديداً منطقتنا العربية. وخلافاً لما يحاول الإعلام المعادي للسعودية ودول الخليج ترويجه من أن العلاقة ستتوتر والأمور ستتبدل مع قدوم رئيس منتخب من الحزب الديمقراطي، استناداً إلى المرحلة التي كان فيها أوباما رئيساً وما رافقها في المنطقة العربية من نكبات واضطرابات ودمار.. فإننا اليوم أمام رئيس تمرّس العمل السياسي منذ ما يقارب الخمسين عاماً، أي نحو نصف قرن من الخبرة والكفاءة السياسية التي حتماً صقلت وعيه وزادته حنكة وموضوعية وليس خطورة ورعونة، كما يتردد في دهاليز السياسة الصفراء.
ويعي جو بايدن جيداً أهمية العلاقات الاستراتيجية مع الدول المحورية في منطقة الشرق الأوسط، كالمملكة العربية السعودية، ويعي أهمية توطيد هذه العلاقات من أجل خلق أجواء سياسية يؤطرها السلام والاستقرار والتبادلات التجارية والاقتصادية السلسة، ولن يكرر أخطاء الماضي التي استنزفت المنطقة ومعها أميركا، في أمنها واستقرارها.
وقد يكون الملف الإيراني أهم ما يشغل بلدان المنطقة، بعد الانسحاب من الاتفاق النووي الذي قرره ونفذه ترامب، لكن -في رأيي- أن المصالح العليا هي التي ستفرض نفسها دون أي مخاطرات جديدة قد تكلف أميركا الكثير، وفق ما تخطه مؤسسات الدولة الأميركية العميقة.

السياسة تتطلب الحصافة لا العاطفة التي تحركها المخاوف والقلق، خصوصاً في ظل أوضاع سياسية كالأوضاع الحالية، وكما أن للدول مصالحها الاستراتيجية التي تخشى عليها، فلأميركا أيضاً مصالحها العليا التي لا تفرط بها مع أي حليف حتى وإن تغير الرؤساء وتبدلت الأدوات من مرحلة إلى أخرى، وبالطبع لن تكون سياسة الرئيس المنتخب للولايات المتحدة الأميركية كما يتصورها البعض سياسة سوداوية رعناء، بل ستكون أكثر هدوءاً وروية وحكمة، وبلا أدنى شك فستكون سياسة براغماتية تراعي المصالح العليا للولايات المتحدة في المقام الأول.
وختاماً.. فإن أميركا بلد المفاجآت السياسية والتحولات العالمية التي اختارت أوباما ذا الأصول الأفريقية في عام 2008، وأعادت هذا التحول بانتخابها بايدن ونائبته كمالا هاريس أول امرأة وأول شخص من أصول أفريقية آسيوية يشغل منصب نائب الرئيس!

*كاتبة سعودية