يعود تاريخ النشاط الإخواني في الولايات المتحدة إلى بداية الخمسينيات من القرن الماضي، حيث وجد هذا التنظيم نوعاً من الترحيب من الغرب عموماً، أي المعسكر الرأسمالي، لمواجهة التنامي المتزايد آنذاك للمعسكر الاشتراكي، وتعتبر أميركا إحدى أهم مراكز الثقل الإخواني في العالم، حيث للسلطات الأميركية دور في تيسير انتشارهم الدولي وترسيخ تنظيمهم وإسناده، أبرزها الإسناد الكبير إبان اضطرابات «الربيع العربي»، مقابل جملة مصالح أميركية حرص «الإخوان» على رعايتها قديماً وحديثاً.
ومقابل ثبات التوجه الإخواني للتحالف مع الولايات المتحدة، والحرص على استمرارية العلاقة بين الطرفين، كانت أميركا تسير على ذات النهج، إذ طيلة النصف الثاني من القرن العشرين وبداية القرن الجاري، كانت العلاقات بين الطرفين مستمرة، سواء في الداخل الأميركي بين الأجهزة الأمنية وتفرعات التنظيم في الولايات المتحدة، أو بين الإدارة الأميركية والتنظيم في دول عدة من العالم، وهو ما أسس لنظرة أميركية إيجابية تجاه الجماعة على المستويين السياسي والنخبوي، فعلاقة الغزل تلك بين الطرفين كانت مبنية على مصالح مشتركة، رفع «الإخوان» بموجبها شعار «الجهاد» في وجه الشيوعية، وكذلك تم استخدامهم كأداة ابتزاز أميركية وضغط على النظام المصري تحديداً منذ سقوط الملكية، وصولاً لإضعافه عندما استلم محمد مرسي للحكم بعد أن دعمته إدارة أوباما بمبلغ 50 مليون دولار لتمويل حملته الانتخابية، هذا بخلاف الأنظمة العربية والإسلامية الأخرى التي عانت من نفس الابتزازات والضغوطات بسبب الدعم الغربي عموماً لـ«الإخوان».
لستُ بصدد سرد نبذة تاريخية عن مسار العلاقات الأميركية الإخوانية، فأغلب القراء لديهم خلفية عن طبيعة تلك العلاقات، خاصة مع الحزب الديمقراطي، لكن اللافت للانتباه حالة الفرح التي سادت جماعة «الإخوان» وداعميهم من بعض الدول على المستويين الإقليمي والعالمي، بعد فوز جو بايدن بالرئاسة الأميركية، نكايةً في الدول التي وقفت مع سياسة ترامب التي لفظت الإسلام السياسي بسبب تآمره على مجتمعاته، فكون ترامب يتمتع بعلاقات طيبة مع دول الخليج ومصر، فإن الاعتقاد السائد الآن لدى «الإخوان» هو أن الرئيس الجديد في حكم المؤكد سوف يقوم بدعمهم وإعادة تفعيل سياسة أوباما، التي قامت على الإطاحة ببعض الأنظمة في المنطقة، بدليل أن بايدن كانت له تصريحات ناقدة ومعلنة ضد بعض دول الخليج ومصر.. متناسين أنه كانت له أيضاً تصريحات عنيفة ضد تركيا وأردوغان الذي اتهمه بتغذية «داعش»، وبأنه شخص مستبد، كما سبق لبايدن أن عبّر عن غضبه لشراء تركيا منظومة الصواريخ الروسية «اس 400» وهدد بتوقيع عقوبات ضدها.
الآن، وفي حال إقرار فوز بايدن رسمياً، فإن أي نقاش حول دعم الإدارة الأميركية الجديدة لجماعة «الإخوان» هو أمر مستبعد للغاية ولا يوجد إلا في مخيلة المتأسلمين فقط، بعد فشل «ربيعهم» الذي حاول التنظيم من خلاله، ومعه تركيا وقطر، طمأنة إدارة أوباما إلى الحفاظ على المصالح المشتركة.. لكن دعم أوباما للإسلاميين لم ينل رضا الحزب الجمهوري الذي اعتبره تضحية بمصالح الشعب الأميركي من أجل دعم «الإخوان».
«الديمقراطيون» لديهم تجربة فاشلة مع «الإخوان» قبل عقد من الآن، عندما عولوا عليهم في التخلي عن التزامات أميركا في المنطقة العربية، فتم دعم التيار الإسلامي ليكون بديلاً عن بعض الأنظمة التي تشكل عائقاً أمام الإدارة الأميركية الراغبة في تركيز اهتماماتها على مخاطر أخرى من العالم، لكن «الإخوان» أثبتوا أنهم لم يكونوا مصدراً للاستقرار، بل للاضطراب وتهديد المصالح الأميركية.

*كاتب إماراتي