على الأرجح، ستكون نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية قد حُسمت وقت نشر هذا المقال، ومعها بدأت الخطوات التحضيرية لانتقال السلطة لإدارة جديدة. وباستعراض ما رشح من الأسماء المرشحة للمناصب القيادية في الإدارة القادمة للرئيس بايدن، فإن عودة سوزن رايس (مرشحة) لشغل حقيبة الخارجية، وآرنست مونيز (مرشح) لحقيبة الطاقة، قد يستشف منها أمور كثيرة على رأسها العودة لميثاق باريس قبل العودة لمراجعة الموقف من الملف النووي الإيراني. فكلاهما كان منخرطاً بشكل مباشر في ذلك الملف إبان إدارة أوباما، و«رايس» تدرجت عبر العهدتين من سفيرة في الأمم المتحدة إلى مستشارة الرئيس لشؤون الأمن القومي في عهدته الثانية.
الملف النووي الإيراني بطبيعته متعدد الأطراف، وهو ليس على رأس الأولويات بالنسبة لإدارة بايدن، إلا أنها ستكون قادرة على الحركة في ذلك الاتجاه وقتما شاءت وحتى قبل 20 يناير 2021 بفضل خبرة مونيز التفصيلية في ذلك الملف وكذلك الوزيرة رايس. إلا أن أولوياتنا نحن (دول المنطقة) يجب ألا تعاني من العمى النفقي سياسياً، فاليمن يعد من حيث ما يمثله من مصدر تهديد متعدد الوسائط، أعلى أهمية من حيث التراتبية الاستراتيجية نتيجة تعاظم تراكماته الاستنزافية لتداخله الجغرافي المباشر. 
ففي حين مثّلت مياه الخليج العربي خط دفاع نسبياً، إلا أن طبيعة البحر الأحمر مثّلت وستمثل تحدياً خاصاً حتى مع انتفاء حالة التماثل مع القوات «الحوثية»، بل كان ذلك نتيجة تضافر عدة عوامل أهمها شرعية فاقدة للأهلية الوطنية قيادياً. وفي حال ناور الطرف الإيراني عبر ملفات متصلة (رعاية مصالح الأقليات الشيعية في اليمن) مرة أخرى، فهل ستكون الشرعية قادرة على فهم ما سيمثله ذلك التدويل لشأن خاص على الأمن اليمني ودول شبه الجزيرة العربية.
الملف اليمني من المنظور الدولي هو إقليمي رغم تقاطعاته الجيواستراتيجية، وهو متفهم لدور تحالف إعادة الشرعية، إلا أنه غير قادر على فهم التأخر في الوصول بهذا الملف لحالة من الاستقرار النسبي تمهيداً لمخارج قابلة للاستدامة. ويعد تشظي هذا الملف لأبعاد ثلاثية دليلاً على فشل الشرعية في الإطلاع بدور قيادي ليس فقط نتيجة اتكاء الرئيس هادي على جناح «التجمع اليمني للإصلاح» (الإخوان المسلمين)، بل توظيف ذلك في التهديد بتسليع الشرعية سياسياً ولو كان ذلك على حساب اليمن وأمن جوارها المباشر.
لقد أثبتت الكتلة السياسية الحرجة بقيادة المملكة العربية السعودية حضورها النوعي إقليمياً، وعربياً ودولياً، والمجتمع الدولي يُثمّن لهذه الكتلة حضورها النوعي ونمو قدراتها الاستيعابية في ممارسة مسؤولياتها الدولية، إلا أن التحديات التي تواجهها هذه الكتلة في الملف اليمني تستدعي استدراكاً نوعياً مخافة مضاعفات ذلك مستقبلياً.
وقد يتحول هذا الملف إنْ لم توضع الشرعية اليمنية أمام مسؤولياتها الوطنية، إلى حالة مستعصية كما هو الحال في لبنان والعراق، وذلك تحديداً ما تسعى إيران إلى تثبيته على أرض الواقع بشكل دائم عبر سفيرها الجديد في صنعاء. طرفا النزاع الظاهران (الشرعية والحوثي) متصالحان على مبدأ استدامة الأزمة، ولا تقتصر آليات الدعم المادي والسياسي المقدمة من أجل ذلك على إيران وتركيا، بل تمتد لأقطاب دولية. من هنا تأتي ضرورة إعادة الإمساك بكافة خيوط الأزمة اليمنية إن كنا عاجزين عن إيصال الملف لخواتيم سعيدة، أو العمل بمبدأ «ترك التجارة تجارة» لتفادي الاستنزاف القاتل لاحقاً.
* كاتب بحريني