لا يزال كُل منا يحاول العودة إلى «المادة الخام»، التي جُبل عليها، رجوعاً للذات الحقيقية، عند مواجهة المواقف «الحدية» كما يسميها الفلاسفة، أو الأزمات عميقة الأثر في الوجدان الإنساني، باعتبارها متفوقةً على الجسد في مستوى الشعور، ومدى التأثر، والتأثير لاحقاً. 
وعلى غرار ذلك، فإن المناسبات التي تمثل رمزاً لدى الأفراد، سواء أكانت دينيةً (كالأعياد)، أو سياسيةً (كالانتخابات)، أو ثقافيةً وتربويةً (كيوم الشجرة، ويوم التسامح)، ما هي إلا وقوف حقيقي أمام ضرورة استرجاع القيم، واحترام الأساس، ومحاولات حثيثة، لإضاءة السيالات العصبية الدماغية، بغية تحفيز الجانب السلوكي والفكري، للانسجام والمواكبة مع ما يلزم تلك المناسبة، وما يتفرع عنها، والدفع بالتنمية الذاتية والمعرفية والتوعوية. 

مع أزمة (Covid 19)، وفي ظل الظروف المتسارعة التي يقفز الإنسان حول العالم عن حواجزها بصعوبة، نخلص للحاجة الماسة من مصاحبة الفخر والمدح لمناسبة (يوم التسامح الإماراتي)، بتكثيف الدفع بالخطة الاستراتيجية الرصينة، التي شيدتها الإمارات ولا تخفت همتها في إثرائها، وإبراز ملامحها، ناشرةً لقيم التسامح والتعارف وقبول الآخر، باعتبارها نافذة أمل للتغلب على جل المشاكل التي تواجهنا، كأفراد ومجتمعات. 

إن نداء العالم الواضح والموحد للجميع في ظل أزمة (Covid 19)، يؤكد أنه لا مجال لاستمرار ما يواجهه العالم اليوم من اعتبار ديانةٍ، أو عرقٍ، أو لونٍ جسماً جامداً لا يقبل التأثر، أو اعتباره نواةً في بوتقة التمييز عن الآخر، أو أنه ليس له أي قيم مشتركة مع الثقافات الأخرى، ولا يتأثر أو يؤثر بها، أو اعتباره عدوانياً بطبيعته، ومفطوراً على الإرهاب والصدام مع أخية الإنسان، ومن ذلك فقد قدمت هذه المعركة الطاحنة بين الإنسان والفيروس، درساً قاسياً، ولكنه كان مهماً أيضاً، وفي ظرفيته اللازمة، وبخاصة في ما يتعلق بالأساس المكون لكافة الأهداف التي يطمح لها أي مجتمع كفؤ، فتتدارك الدول العثرات، وتواجه التحديات، وتدفع بمشاريعها الإنسانية، والأخلاقية الناجحة. 

وعلى صعيد دولة الإمارات العربية المتحدة، فقد أسست للتسامح، كمشروع حضاري راسخ لا يقل أهميةً عن كبرى المشاريع الاقتصادية، وذلك امتداداً من نهج الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وحتى يومنا هذا، فلم تستثنِ أياً من المجالات أو القطاعات، إلا وأسست فيه جذوراً طيبةً، ثرية بالقيم الإنسانية والأخلاقية، والتي كانت قد كثفت التركيز عليها خلال العام الماضي (عام التسامح)، سواء أكان ذلك في الجانب المجتمعي، من خلال تعزيز قيم التسامح الثقافي، والديني، والاجتماعي، ومن خلال سن مجموعة من التشريعات والسياسات، وتفعيل دور المراكز المجتمعية التي تسعى إلى تشجيع جميع فئات المجتمع، أو غرس براعم التسامح في قطاع التعليم، وجعله شرطاً في الهيكلة المؤسسية، من خلال بناء بيئة عمل آمنة، ومتسامحة، ومتماسكة، في كافة المؤسسات، إضافةً لبث روح التسامح، وتقديمه كـ«وجبة ثقافية» ملهمة، وطيبة الأثر، تنشرها الوسائل الإعلامية «المهنية»، ذات الدور الحيوي الفاعل، وتحميها التشريعات الدستورية. 

لقد صعدت أسهم «الإنسانية»، في وقت هبطت فيه أسهم اقتصاد كبرى الدول الصناعية، مما قدم «الحقيبة الأخلاقية»، على غيرها، ولوح في أفقه بإعلان صعود الرحلة، رحلة المحبة، والتعاون، والاتحاد الإنساني، وعليه، يكون إصرار المجتمعات على تعزيز سبل التعاون المحلي و الدولي، وصولاً موفقاً لـ«مخرج النجاة»، المنشود للمجتمعات من سطوة الانعزال، إلى حيز الحوار والتواصل والتبادل المعرفي، والتركيز على نقاط قوة المجتمعات والمضي بالمشترك فيما بينها ودعم قيم التسامح، والسلام والخير سمواً على ما دونها من محاولات تأجيج ثروة «الاختلاف»، وتحويلها لعصا «الخلافات» والنزاعات في مجتمعاتنا، اللاهجة بشبابها نحو الأفضل، والمحدقة في حبل النجاة من حكوماتها الرشيدة، لإفراز تجربة تسامح فريدة بين الأديان دافعة ببناء الأوطان.