الخوف من عنف واسع الانتشار انتاب كثيرين بسبب الظروف الاستثنائية السابقة على يوم الانتخابات الأميركية، وبسبب مساعي الرئيس دونالد ترامب للنيل من نزاهة الانتخابات حتى قبل إجرائها. ومن المؤكد أن للبلاد تاريخاً طويلاً في العنف المرتبط بالانتخابات بسبب الجهود واسعة الانتشار لمنع المواطنين بصفة عامة، والسود والأقليات بصفة خاصة، من الإدلاء بأصواتهم، ومن بين هذه الجهود، التضليل الإعلامي والحرمان من حق التصويت والترهيب. لكن يوم الانتخابات الرئاسية الأخيرة مر من دون أحداث. فقد أشار مسؤولون دوليون إلى الانتخابات «المنضبطة» و«المناخ السلمي دون اضطرابات أو ترهيب». والسلوك «الاحترافي» لإدارة الانتخابات. 
وفيما يلي بعض النقاط حول الانتخابات الأميركية تستحق الإحاطة بها. 
أولاً: يتابع مراقبون دوليون الانتخابات الأميركية بانتظام منذ عام 2002. وقد شارك مراقبون من «منظمة الأمن والتعاون في أوروبا» في الانتخابات الأميركية للمرة التاسعة هذا العام. وقد تعهدت الولايات المتحدة وكل الدول الأعضاء في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بدعوة مراقبين دوليين، بموجب ميثاق باريس ووثيقة كوبنهاجن لعام 1990. 
وهذا العام، وبعد دعوة معتادة من وزارة الخارجية الأميركية، قامت المنظمة بعملية تقييم في بداية عام 2020، ورأت في البداية إرسال وفد يضم نحو 500 مراقب، مشيرةً إلى عدد من المخاوف هذه المرة بشأن مشكلات محتملة قد تكتنف الانتخابات الأميركية. ورغم أن الجائحة قلّصت حجم البعثة، فقد نشرت المنظمة جمعاً من الخبراء رفيعي الخبرة ومراقبين آخرين لمراقبة الانتخابات. وأصدرت المنظمة في اليوم التالي للانتخابات، بعض الاستخلاصات تضمّنت قائمةَ انتقادات، منها أن الاستقطاب السياسي طغى على الجدل الحقيقي، وأن إمكانية الدخول للتسجيل لم تكن متساوية أمام جميع الناخبين، وأن قوانين تمويل الحملات الانتخابية الأميركية من السهل التحايل عليها، وأن عشرة ملايين ناخب تلقوا «تضليلاً إعلامياً آلياً» عبر مكالمات هاتفية. 
ثانياً: تتعرض الديمقراطية الأميركية للمعاناة حين يقوض المسؤولون الثقةَ في الانتخابات. فقد انتقد تقرير المنظمة الرئيس تحديداً؛ لأنه «دأب على استخدام ما له من نفوذ رسمي لتحقيق مزايا سياسية»، وألقى بالشكوك حول التصويت البريدي رغم وجود أدلة «لا تكاد تذكر»، وأعلن الفوز في ليلة الانتخابات قبل أن يتضح الفائز، واستخدم «تصريحات تمييزية وتحقيرية ضد أفراد على أساس النوع أو الأصل». وذكر التقرير أن من بين الانتقادات أن الرئيس شارك في «إساءة تقديم الحقائق» مما فاقم الدعاية السلبية، ودأب على مهاجمة وسائل الإعلام. وجاء في التقرير المبدئي: «رغم حقيقة أن نتائج الانتخابات لم تكن قد حسمت، شكك الرئيس ثانيةً في نزاهة العملية وأعلن الفوز. والمزاعم التي بلا أساس عن الاختلال المنهجي، وتحديداً تلك التي أطلقها الرئيس، بما في ذلك المزاعم التي أعلنها ليلة الانتخابات.. أضرت بثقة الجمهور في المؤسسات الديمقراطية». 
ثالثاً: سلمية الانتخابات ليست نهاية القصة. فقد وقع بعض الترهيب مع ختام الحملات الانتخابية وبعض الاحتجاجات ضد إحصاء الأصوات فيما بعد. وتعرضت كثير من الدول لحوادث منفصلة من العنف المتعلق بالانتخابات والذي مارسه أنصار محبطون. لكن الأبحاث تشير إلى أن العنف واسع النطاق المتعلق بالانتخابات قد يكون من الصعب توقعه، وهذا يرجع في جانب منه إلى الاهتمام السابق على الانتخابات بالمخاوف، مما قد يساعد في منع العنف، كما يساعد في الإدارة المحترمة للانتخابات. وعلى سبيل المثال، تمخضت الانتخابات الكينية عام 2007 عن مقتل نحو 1300 شخص وتشريد نحو 500 ألف. وبعد ذلك، دعم الكينيون إصلاحات مؤسسية مهمة. ورغم المخاوف واسعة النطاق من احتمال تكرار عنف عام 2007، أجرت كينيا انتخابات سلمية حظيت بإقبال كبير عام 2013. وفي الانتخابات الأميركية لعام 2020، ساعدت الإجراءات الوقائية فيما يبدو في الحفاظ على الهدوء. لكن شاغلي المنصب يحركون عادةً العنف الأكثر تدميراً في الانتخابات، في محاولة لاستخدام العنف للتأثير في نتائج الاقتراع، أو لتقويض نزاهة العملية في فترة ما قبل الانتخابات، أو لترويع عناصر معينة من الناخبين وإشاعة الاضطراب في إحصاء الأصوات، أو للثأر من الخصوم بعد الانتخابات. وعنف الانتخابات غير شائع عادة في الديمقراطيات العريقة، والأرجح أنه يصدر عن شاغلي المنصب الذين يخشون الهزيمة. 
رابعاً: الديمقراطيات تعتمد على إذعان الخاسر، وخاصة في الانتخابات متقاربة النتائج. ومن بديهيات العلوم السياسية أن الديمقراطية تعتمد على حقيقة أن الذين في السلطة قد يخسرون الانتخابات وأن الخاسر يسمح للفائز بتولي السلطة. وأشار تقرير منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إلى مخاوف بشأن تجاهل ترامب الواضح لهذه القاعدة الأساسية في الديمقراطية. والناخبون الأميركيون ليسوا معتادين على عدم اليقين بشأن ما إذا كان الجانب الخاسر سيقبل النتيجة بسلام. 
ويرى أستاذ العلوم السياسية آدم برزيفورسكي أن «معجزة الديمقراطية في النهاية تتمثل في أن القوى السياسية تذعن لنتائج الانتخابات ومَن يشغلون المناصب يغامرون بسيطرتهم على المناصب الحكومية بإجراء انتخابات. والخاسرون ينتظرون فرصتهم حتى يفوزوا بالمنصب. والصراعات يجري تنظيمها ومعالجتها وفقاً للقواعد المرعية ولذا تكون محدودة. وهذا ليس إجماعاً ولا فوضى أيضاً، إنه صراع منظم، صراع دون قتل». ويذكرنا برزيفورسكي بأن الانتخابات لا تحسم الصراع المجتمعي، بل تعطي المواطنين فرصة فحسب ليتعاشوا مع الشقاق المجتمعي بالقليل من الوفيات والعنف. ومن خصائص المؤسسات الديمقراطية أن بوسعها النجاة من زعماء لهم نزوع سلطوي.

سوزان هايد

أستاذة العلوم السياسية والمديرة المؤقتة المشاركة لمعهد الدراسات الدولية بجامعة كاليفورنيا 
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»