من الآمن أن نقول إنه قبل 250 عاماً، كان العالم بحاجة إلى تعلم الكثير عن الحرية. كانت الأفكار الجديدة تنتشر بالفعل بين مفكري عصر التنوير. نعم، يمكن لدول ملكية أن تحافظ على النظام. لكن هل كان هذا أفضل ما يمكن أن يفعله البشر؟ هل يمكن بناء المجتمعات على الحريات الفردية، أم أن ذلك سيطلق العنان للفوضى؟
اليوم، تم حسم هذه الإجابة إلى حد كبير. فقد أثبتت التجارب الديمقراطية، من أميركا إلى نيوزيلندا، أنه يمكن بناء المجتمعات العاملة على الحريات الفردية، ليس فقط أنها لا تنحدر إلى الفوضى حتماً، بل إنها أيضاً مفيدة لزيادة الثروة وحقوق الإنسان.
إذن ما الذي يحتاج العالم أن يتعلمه اليوم؟ بالتأكيد، فإن التجربة العالمية في توسيع نطاق الحرية لم تنته بعد، ولن تنتهي أبداً. ولا توجد إجابة واحدة فقط على السؤال. لكن فكرة واحدةً تطفو على السطح للنظر فيها بشكل أعمق: يمكن أن نسميها الشعور بالمسؤولية.
في كثير من أنحاء العالم، اتسمت الاستجابة للوباء بشيء أقل من النجاح الباهر. قللت أوروبا من حدة الحالات، لكنها عادت لترتفع مرة أخرى. وتبعت الولايات المتحدة المسار نفسه بنتائج أسوأ. لكن يبرز جزء واحد من العالم، حيث لم يقتصر الأمر على تمكن اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان من إيقاف انتشار الوباء بشكل كبير، رغم أننا نجد هناك «الحانات والمطاعم مزدحمة، وقطارات الأنفاق مكتظة، والحفلات الموسيقية الحية والرياضات التي يحضرها الجمهور.. كل ذلك تم استئنافه»، كما يشير مقال حديث في صحيفة «وول ستريت جورنال».
لماذا كانت آسيا أكثر نجاحاً؟ الأمر يتلخص في كلمة واحدة: التضحية. يقول «فرانشيسكو وو»، صاحب مطعم إيطالي صيني نشأ في إيطاليا، للصحيفة: «لقد اعتدنا هنا على أن نتمتع بالكثير من الحريات، وهذا شيء عظيم. لكننا لسنا معتادين على الانضباط والتضحية بالنفس».
لم تجبر الحكومات في اليابان وكوريا الجنوبية المواطنين على التخلي عن الحريات. لكنها بالأحرى ساعدت على تنفيذ الإرادة الجماعية للشعب. لقد كبح المواطنون طواعية حرياتهم الفردية واستخدموها في خدمة هدف أكبر. وقد نجح الأمر.
وهذا يشير إلى دروس أكبر. خذ على سبيل المثال مواجهة الغرب مع الصين. إن التحدي الذي تمثله الصين، مثل الاتحاد السوفييتي من قبلها، ليس في الحقيقة تهديد الشيوعية. فلم تعد الصين شيوعية حقاً. التحدي هو ما إذا كانت الجماعية قادرة على هزيمة الفردية. تُظهر الصين قوة العمل الجماعي من خلال هجين بين السوق الحرة والشيوعية المعدّلة. فهي يمكنها التصرف بشكل أكثر حسماً واستراتيجية لأنه لا داعي للقلق بشأن أدوار الأفراد وحرياتهم.
لكن العمل الجماعي الصيني مُلزم. وتُظهر استجابة آسيا للوباء قوة العمل الجماعي عندما يكون تعبيراً عن الوحدة الحقيقية، الوحدة المكتسبة من خلال المسؤولية المتبادلة والحب والتضحية بالنفس. في كتب مؤثرة مثل «البولينج وحده: تدهور رأس المال الاجتماعي في أميركا» و«أطفالنا».. أوضح عالم الاجتماع «روبرت بوتنام» أن نفس المبدأ قد أثرى الولايات المتحدة. وهو يوجز القوة الهائلة لرأس المال الاجتماعي، لما يحدث عندما يستثمر الناس في جيرانهم ومجتمعاتهم.
إن توسيع هذه الدوائر هو التحدي التالي للديمقراطية. وتلك القوة الخفية تنتظر دائماً إطلاق العنان لها. كما قالت الكاتبة «مارلين روبنسون» في «ذا نيويورك ريفيو»: إن «أساس الديمقراطية هو الاستعداد لتحمل الآخرين بشكل جيد».

*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»