يشهد مجتمع الولايات المتحدة الأميركية وضعاً سياسياً، لعله الأول منذ قيام الدولة هناك عام 1776، ألا وهو عدم اعتراف الرئيس الحالي بنتائج الانتخابات الرئاسية، والاتهامات شبه اليومية للنظام الانتخابي في الولايات بالفساد وتزوير الأصوات، وعدم التسليم بالهزيمة رغم مرور ما يناهز ثلاثة أسابيع على إعلان النتائج الرسمية. والمقصود هنا هو رفض الرئيس الأميركي «الجمهوري» الحالي «دونالد ترامب» التسليم بهزيمته أمام «جو بايدن» الرئيس المنتخب الديمقراطي، واللجوء للقضاء للبت في ادعاءات التزوير والفساد. والأمر اللافت للنظر هنا هو مدى ثقة السلطات المحلية في الولايات في نزاهة الأجهزة المعنية ونجاحها في ترجمة اختيارات الناخب الأميركي إلى واقع عملي كل أربع سنوات. 
ولكن في الوقت نفسه، فإن سخونة الأجواء التي صاحبت الحملات الانتخابية للمرشحين «الجمهوري» و«الديمقراطي» والتوتر الذي ساد بينهما وقت الإعلان عن النتائج، أفرز حالة سياسية لم يتوقعها الكثير من المراقبين، وهي وجود رئيس على رأس السلطة حتى شهر يناير القادم يمتنع عن التعاون مع الرئيس المنتخب، بل والاعتراف بفوزه في الانتخابات. فالرئيس الأميركي الحالي «دونالد ترامب» لم يسمح حتى الآن بالبدء في إجراءات نقل السلطة إلى الرئيس المنتخب «جو بايدن»، حسبما تجري الأمور بين كل رئيسين. بل بلغ الأمر بمنع استلام «بايدن» تقارير مهمة، منها الإحاطة الاستخبارية اليومية. 
كما يشهد المراقب للأوضاع أيضاً قيام الرئيس «ترامب» بإقالة العديد من المسؤولين الحكوميين وفي مقدمتهم وزير الدفاع، بجانب مدير وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية في وزارة الأمن الداخلي، والذي جاهر برفضه تهم التزوير التي تُشكك في فوز «بايدن» في الانتخابات الرئاسية. وفي المقابل يقوم الأخير بالإعلان الدوري عن أعضاء إدارته الجديدة والتي توصف بأنها تُمثل كافة أطياف المجتمع الأميركي. وبالنسبة للملف الداخلي الأكثر سخونة وهو تفشي فيروس كورونا في الولايات وتجاوز الإصابات حاجز الـ11 مليون شخص، مع وفيات تزيد عن ربع مليون، فإن الوضع يشهد أيضاً تناقضاً كبيراً بين الرئيسين. فالرئيس الأميركي «ترامب» لم يقم منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات بالإدلاء بأي تصريح حول خطته لمواجهة أخطار الفيروس المتنامية، ويمنع التنسيق والعمل المشترك مع الفريق الانتقالي للرئيس المنتخب «بايدن» حول قضية «كورونا». وعلى الجانب الآخر، قام «بايدن» بالإعلان عن أولويات حكومته القادمة وتأتي مكافحة فيروس كورونا على رأسها، يتبعها التعافي الاقتصادي والمساواة العرقية والتغير المناخي، وقام بالفعل بتشكيل فريق أغلبه من المختصين والأطباء، مهمته وضع الخطة المناسبة لمكافحة الجائحة. 
ولعل الأمر الأكثر إثارة هو ما ينتظر «ترامب»، الذي ستنتهي حصانته الرئاسية بانقضاء فترة حكمه شهر يناير القادم، من احتمالات رفع دعاوى قضائية جسيمة ضده. وتضم تلك القضايا المحتملة مزاعم دفع أموال مقابل السكوت، والتهرب الضريبي، وغيرها. وبالتالي، فإن «ترامب» قد يكون الرئيس الأميركي الأول الذي تعرض لإجراءات العزل في الكونجرس، ثم يمثُل أمام القضاء بعد خروجه من البيت الأبيض في محاكمات مدنية وجنائية، مع احتمال صدور أحكام قضائية ضده تهدد حريته الشخصية. ولذلك، فالتساؤل المطروح مؤداه: هل من ضمن الأهداف التي تكمن وراء ما يفعله «ترامب» منذ الإعلان عن خسارته الانتخابات الرئاسية، هو سعيه للحصول من الحزب «الديمقراطي» على «صفقة» تضمن له عدم الخضوع لدعاوى قضائية أمام المحاكم الأميركية بعد تسليمه السلطة لجو بايدن في العشرين من شهر يناير القادم؟