خلال حديثه عن رؤيته للسياسة الخارجية الأميركية أثناء حملته الانتخابية، كان الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن كثيرا ما يشير إلى مقترحه القاضي بتنظيم قمة للديمقراطيات خلال عامه الأول في السلطة. فمثل هذا التجمع لزعماء العالم الديمقراطيين من شأنه أن يؤشر إلى عودة أميركا إلى دورها القيادي، كما قال بايدن، وكذلك إلى نهاية لأربع سنوات من حكم ترامب.
وبينما يستعد بايدن لتولي مسؤولية بيت منقسم بعمق سياسياً ومهزوز بالأزمات الداخلية، توفّر فكرة عقد قمة لمحةً عن لماذا من المتوقع أن يتصرف بايدن حيثما استطاع بمفرده وبسرعة. فمن البداية ورغم قيود الكونجرس، يريد الرئيس المنتخب أن يُظهر ليس فقط أن أميركا عازمة على استعادة دورها القيادي على الساحة العالمية، ولكن أيضاً أن سياسته الخارجية ستكون جديدة نوعاً ما، ومختلفة اختلافاً حاداً عن سياسة سلفه بالطبع، ولكن مختلفة أيضاً في التفاصيل عن سياسة باراك أوباما. 
ولأنه تواق إلى التشديد على تعددية الأطراف والتعاون، عوضاً عن أحادية الأطراف وسياسة «أميركا أولاً» الانعزالية، يعتزم بايدن أن يعكس الاتجاه بشكل فوري، خاصة ما يتعلق بانسحابات الرئيس دونالد ترامب من الاتفاقيات والمنظمات الدولية. واستناداً لتصريحاته وتصريحات مستشاريه المقربين في السياسة الخارجية، فإنه سيقوم منذ اليوم الأول من عمر إدارته بالعودة إلى اتفاقية باريس للمناخ، وعكس قرار ترامب القاضي بسحب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية، ورفع الحظر الذي فرضه ترامب على المسافرين من عدد من البلدان ذات الأغلبية المسلمة. 
وعلاوة على ذلك، من المرجح أن يعمد بايدن بسرعة إلى تعيين حكومة – يمكن أن يكشف النقاب عن خياراته اعتباراً من الأسبوع الأخير من نوفمبر، كما يقول مساعدون – تقول للشعب الأميركي والعالم إنه جاد بشأن تعهده باستخدام تعييناته لإظهار تنوع أميركا. 
غير أن تيمة بايدن «أميركا عائدة» من المحتمل أن تذهب إلى هذا الحد فقط – بما في ذلك مع أقرب حلفاء أميركا، الذين تعلموا على مدى الأربع سنوات الماضية أنه لم يعد بإمكانهم الاعتماد على الولايات المتحدة في الأمن، مثلما قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. ولئن كان من الواضح أن الأوروبيين مسرورون بانتخاب بايدن، إلا أنهم حذرون أيضاً بشأن أي فكرة مفادها أن العلاقات عبر الأطلسي ستعود بكل بساطة إلى أيام مجدها الآن، في وقت سيغيب فيه ترامب عن الصورة.
وأحد أسباب ذلك أن سياسة أميركا الخارجية – وجوانب معينة منها، مثل مجموعة التحالفات التي تنتمي إليها أميركا – لم تعد تحظى بدعم واسع من كلا الحزبين، كما يقول خبراء في الشؤون الأميركية-الأوروبية. ولعل وقائع الانتخابات الرئاسية الأميركية وما أعقبها تمثّل تذكيراً بالتحديات التي تواجه حتى أقوى ديمقراطيات العالم. وعلاوة على ذلك، فإن المصالح الأميركية والأوروبية تباعدت نوعاً ما خلال السنوات الأخيرة. وحتى فكرة بايدن التي تقضي بعقد قمة للديمقراطيات من أجل إعادة التأكيد على القيم الغربية في وجه القومية الصاعدة لا تثير حماساً كبيراً بين أقرب حلفاء أميركا الأوروبيين، كما يقول بعض الخبراء. 
ثم ما الذي ينبغي فعله في مثل هذه القمة بخصوص تركيا الحليف في «الناتو»، أو ديمقراطيات أخرى أضحت سلطوية بشكل متزايد، من بولندا والمجر إلى الفلبين؟
وفي هذا الصدد، تقول «سيليا بيلين»، وهي زميلة زائرة لمركز الولايات المتحدة وأوروبا في مؤسسة بروكينجز: «لقد غيرت أوروبا رأيها عن الولايات المتحدة بشكل عام، لقد انتهى عهد السذاجة الأوروبية مع الولايات المتحدة». 
وتضيف قائلة: «على مدى الأربع سنوات الماضية وقبل ذلك بقليل، بدأت المصالح تتباعد (على جانبي الأطلسي)، وصار عبور الجسر أطول قليلاً». 
وفي الأثناء، يرى بعض مراقبي السياسة الخارجية أن فكرة الدعوة إلى قمة عالمية للديمقراطيات قد تتراجع في سلم الأولويات إلى مرتبة أدنى، في وقت يجد فيه بايدن أن بواعث القلق الداخلية تستأثر بالقدر الأكبر من الاهتمام، بينما يضغط الحلفاء من أجل مزيد من التحركات البراغماتية في ما يتعلق بتغير المناخ والخلافات التجارية. 
ولكن ذلك سيكون مخزياً، كما يرى بعض خبراء السياسة الخارجية ومسؤولون سابقون في إدارات من كلا الحزبين، ليس فقط لأن قمة للديمقراطية ستشكّل طريقة لإعلان عودة أميركا. ولكن الأهم من ذلك، كما يرى البعض، هو أنها ستؤشر إلى أن الولايات المتحدة عادت من جديد للتأكيد على القيم التي جعلتها على مدى سبعة عقود الزعيمَ الذي يُلجأ إليه، والنموذج الذي يُحتذى في ما يتعلق بالحقوق ومعايير أخرى بالنسبة لمعظم العالم. 
وبالنظر إلى تركز بواعث قلق سياسة الدفاع والأمن القومي بشكل أكثر انتقاداً على الصين وروسيا، فإن القمة «تمثّل طريقة مفيدة للتأشير إلى التزام إدارة يقودها بايدن بالديمقراطية» وبـ«إرسال رسالة حول المعايير والقيم الديمقراطية»، كما يقول مايكل أوهانلون، الباحث في قضايا الدفاع والسياسة الخارجية بمؤسسة بروكينجز في واشنطن. 
وعلاوة على ذلك، فإن عقد قمة للديمقراطيات ستؤشر إلى عودة أميركا إلى ركن مهم من أركان استراتيجيتها الجيوسياسية لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وبناء وتطوير تحالفات مفيدة على نحو متبادل لمواجهة عدو مشترك، ألا وهو صعود القومية والسلطوية.
*صحافي أميركي 
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»