أثبتت الشارقة التي نظمت مؤخراً معرض الكتاب الدولي فيها بنسخته الـ 39 أنها قادرة على القيام بدورها الثقافي من جهة، وبالحفاظ على صحة وسلامة زائري المعرض من جهة أخرى، خصوصاً وأن كوفيد- 19 ما يزال حاضراً بكل جبروته وخطورته.
خلال إقامة فعاليات المعرض، استطاع المنظمون اتخاذ كامل الإجراءات الاحترازية التي تنسجم والقرار الرسمي الذي ينص على الحيلولة دون انتشار الوباء، وهكذا فتح للزائرين بوابات التعقيم الذاتي والماسحات الحرارية، وعلى دفعات استقبل المنظمون الناس «المكممين» مع توفير التباعد الاجتماعي بينهم، فتجولوا ضمن صالات وردهات نظيفة وتتوافر فيها مواد التعقيم، في حين أشرف المتطوعون على مراقبة الوضع بما يكفل عدم تعرض أي إنسان للخطر.
وكي ندرك قيمة الإنجاز الذي حققه معرض الشارقة في هذا العام، علينا العودة إلى المفكرة الثقافية الدولية لهذا العام، والتي سقطت منها أوراق أكثر من خمسة عشر معرضاً بعدما اضطر منظموها لإلغائها أو لتأجيلها إلى مواعيد لاحقة وغير مبرمجة.
إن لمعرض الشارقة الدولي للكتاب مكانته المتفردة على الخارطة الثقافية العربية، فهو بعد عامين سيكمل سنواته الأربعين، وقد تتالت دوراته السنوية ودون انقطاع حتى يومنا هذا، ما أضفى على إمارة الشارقة طابعاً فريداً، وخلق أجواء احتفالية قلما نشهدها في معارض الكتب الأخرى، فبات أحد أهم الأحداث المدونة ضمن أجندة الأدباء والقراء العرب وصناع الكتاب أيضاً.
أن يزور معرض الشارقة الدولي للكتاب في هذه الدورة بالتحديد وخلال ظروف استثنائية أكثر من 300 ألف زائر، فهذا الأمر بحد ذاته يعتبر نجاحاً للإمارة التي تثبت يوماً تلو آخر أن معرض الكتاب فيها لا يزال يملك سحره وطقوسه بالنسبة لمن يولون للكتاب اهتماماً بالغاً في حياتهم ويعدّونه زادهم المعرفي المفضل، وكذلك بالنسبة لدور النشر سواء كانت حكومية أم أهلية، فهو يشكّل سوقاً مفتوحاً لا لعرض الكتب وترويجها فقط، بل لحركة النشر الدولي وتوقيع اتفاقيات الترجمة وشراء حقوق النشر والإصدار المشترك، ومن ناحية ثانية يعد المعرض مهرجاناً سنوياً يتم فيه التلاقي والتحاور والتعارف بما يتضمن من فعاليات كالندوات واللقاءات والحوارات المفتوحة التي تمثل كرنفالاً ثقافياً له جمهوره الباحث عن الجديد.
في كل عام يفتح معرض الشارقة الدولي للكتاب ذراعيه للثقافات الأخرى، ويدعو أسماء مهمة محلية وعربية ودولية وعلى ارتباط وثيق بحقول الأدب والعلوم والمعرفة بكامل فروعها. وإذ تنجح الشارقة مجدداً في تنظيم المعرض وتكون - كما كانت - عند حسن الظن، فهي تؤكد أنها تستطيع تقديم نموذج حي وواقعي لبقية الدول في كيفية الإبقاء على الفعاليات الكبرى التي تعتبر رئة حياة بالنسبة لمئات الآلاف، علّ الجهات المنظمة للمعارض العربية الأخرى تقتدي بتجربة الشارقة المحفزة على الاستمرار في تنظيم معارض الكتاب وغيرها من المعارض الحيوية.
هنيئاً للشارقة ورجالها الأوفياء وعلى رأسهم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي دعم الناشرين المشاركين في المعرض لتعويضهم عما لحق بهم من أضرار جراء الوباء، ولتشجيعهم على مواصلة رسالتهم. وكما نعلم فإن سموه أعفى دور النشر المشاركة من الرسوم المقررة، كما قدم لها دعماً مادياً سخياً آخر وصل إلى 10 ملايين درهم تأكيداً منه على أن القراءة لا بد أن تبقى حاضرة في حياة الإنسان العربي بالتحديد.
ولا شك أن رؤية سموه تجعل من المعرض محركاً يدفع كافة قطاعات المجتمع للتفاعل مع المناخات الثقافية والمعرفية والفكرية، وهي مسألة تؤكد أهمية حضورها كمركز ثقافي فاعل في المنطقة بشهادة المعنيين بالكلمة في شرق الأرض ومغربها، وبشهادة كل من زار «شارقة الثقافة» سواء في معرض كتابها هذا أو في معارضها السابقة.