يتفق العقلاء والحكماء والعلماء وأهل الشرائع قاطبة على أن حياة الأوطان واستقرارها ووحدتها وتنميتها من أعظم المقاصد والمطالب، وذلك لأن بحياتها يتحقق الإيمان، وتصح الأبدان، وتقوم المعايش، وتصلح الأحوال. وقد أمرنا الله تعالى بالاستجابة لكل ما يحيينا حياة طيبة؛ فقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ).
إن هذه الذكريات الوطنية؛ هي نعم وأمجاد، وسعادة وإسعاد، وتأكيد على التلاحم والاتحاد، والشعوب الحضارية دائما ما تجعل من هذه المناسبات السعيدة مواسم فرح؛ لتقف وقفات مع التاريخ، وتُجدد فيها العهد مع الوطن، وتقتبس من سِير الأجداد العظماء، وتأخذ بأيدي الأحفاد النجباء، وتُحيِّي الأبطال الأشاوس الأقوياء، صناع الملاحم الذين وضعوا أرواحهم بأكفهم في سبيل دينهم ووطنهم وأهليهم. 
في هذا اليوم الوطني التاسع والأربعين وفي كل يوم نُجدد الولاء، ونُؤكد على الوفاء، ونُبارك لقيادتنا الرشيدة وشعبنا الأبي، والمحبين لهذه الدولة الطيبة المباركة هذه المناسبات الوطنية والأيام الزاهية، فنقول: تحية لأرواح أبطالنا الأبرار وشهدائنا الأخيار، وتحية لقيادتنا وآبائنا المؤسسين، وتحية لأبطال الكرامة وخط الدفاع الأول الذين واجهوا كوفيد 19 ليحافظوا على الحياة البشرية، وتحية لكل من يسعى لرفعة هذا الوطن؛ كلٌّ في مجاله وموقعه. 
ومن خلال ذلك فإننا نحمد الله تعالى ونشكره على نعمه العظيمة، وآلائه الجسيمة التي أسبغها على هذه الدولة، فنرى الإنجازات تلو الإنجازات، وخيرات تَنهمر، وأرزاق تُغدق، وعقول تُبهر، وشباب يُقر العيون، وسمعة ملء السمع والبصر، فلك الحمد يا ربنا «على ما أَنْعَمتَ بِهِ عَلَينا وَأَوْلَيت». 
إن «اليوم الوطني» و«يوم الشهيد» يومان عظيمان نتذكرهما في كل سنة، وإن كانا لا يغيبان عنا في أي يوم من الأيام، فالوطن في القلوب، والشهداء أحياء حاضرون معنا، لكن هذين اليومين صنوان لا يفترقان، ونظيران متماثلان بل ومتلازمان، فالاقتران بينهما لم يأت صدفة؛ إذ لا أوطان دون تضحيات، ولا حياة طيبة دون وطن آمن مستقر، ولا تقام الأديان إلا في ظل أوطان مصانة الكرامة والسيادة، فكان هؤلاء الشهداء الذي اصطفاهم الله تعالى وخلد في الصالحات ذكرهم؛ بسبب محبتهم لأوطانهم والدفاع عن حياضه وحماية حدوده، فصاروا إذا ذُكر الوطن ذكروا ردفه، لأنهم صدقوا مع أوطانهم، وقدموا أرواحهم عربون محبة له، فنالوا التكريم والتشريف، وأصبحوا تيجانا على رأس الوطن، وما عند الله لهم خير وأبقى. 
إنها دروس عميقة، ورسائل واضحة، ومعاني سامية، نَحفرها في التاريخ، ونغرسها في النفوس، ونُخلدها في جبين الزمن، ونُدونها على صفحات الفخر والمجد، فليست هذه المواسم إلا مناسبات للخلود، وقصة العزة والشرف والبطولة والإباء، ودروس في الإلهام والقدوة والشجاعة، والتضحية والولاء، ورواية تجارب ناجحة في الاتحاد، والتصالح، وبناء دولة نموذجية، واستئناف حضارة عربية، وامتداد لإرث والدنا زايد طيب الله ثراه، ورفع تلك الراية الخفاقة، وتعداد الإنجازات المحققة، وشكر ربنا مُولي هذه النعمة. 
وإذا كانت هذه المناسبة الوطنية لها رصيدها التاريخي، فإن دولة الإمارات كما تعتز بماضيها العريق فإنها تتميز أيضا بحاضرها المشرق، فهي دولة بلغت من الرقي والتقدم العلمي والتطور الصناعي، واستشراف المستقبل وصناعته، ما عز نظيره في العالم، وقد كانت هذه السنة -التي ليست ككل السنوات- امتحانا عسيرا لجميع دول العالم في القيم والجاهزية والإنسانية، والإعداد للمستقبل، والتطور العلمي، والحضور العالمي، فربحت دولة الإمارات الرهان، ونجحت في السباق، وأضحى نموذجُها محلَّ تقدير واهتمام العالم. فقد سابقت الزمن، واستنفرت قدراتها وصداقاتها وكوادرها، وقادت العالم للوقوف سدا منيعا أمام هذا الوباء، وتزعمتْ هذه الجهودَ قيادةٌ لا تكل ولا تمل، تُطمئن الداخل، وتساعد الخارج، وتُخطط للقادم، وتوفر الغذاء والدواء، وكان التماسها الوحيد من شعبها أن «لا تشلون هم» فنعمت القيادة، وبارك الله خطواتها، وحفظ أركانها، وأقر عينهم بشعبهم الطيب.
فهاهي دولتنا ولله الحمد وكوادرها الطبية وجنود الدفاع الأول، قد قاموا جميعا بجهود جبارة مشكورة، وحاصروا هذا الوباء من كل الجهات، ووقفوا له بالمرصاد، ولأن العالم يعيش هذا الوضع الذي مازال الحرب بينه وبين هذا العدو سجالا، وما زال يترصد مزيدا من الأرواح، فواجبنا ونحن نفرح ونسعد بهذه الأيام الوطنية أن لا نكون سببا في فقد مزيد من الأرواح، فلتكن احتفالاتنا استثنائية هذه السنة، ولنأخذ حذرنا، ولنتبع الإجراءات والتعليمات، فالحرص على السلامة الفردية والجماعية والمصلحة الوطنية واجب شرعي ووطني، وفي الختام رحم الله من مات من أبطالنا الأبرار وأسكنهم منازل الأخيار، وحفظ الله قيادتنا الرشيدة، وبارك في منجزاتها الحضارية، وصدق الله العظيم إذ يقول: (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ).
*كاتب إماراتي