خلال الأيام التي أعقبت انتخابات 2012، والتي مثّلت هزيمة لـ«الجمهوريين» في الانتخابات الرئاسية، كانت جل الآراء في المشهد السياسي الأميركي متفقةً على فكرة بسيطة مؤداها أن الحزب الجمهوري محكوم عليه بالفشل كمؤسسة وطنية إذا لم يصبح حزباً معتدلا لطبقة رجال الأعمال والمحافظين الاجتماعيين، وخطَبَ ود الناخبين المنحدرين من بلدان أميركا اللاتينية («الهيسبانيك») عبر الوعد بقوانين هجرة أكثر ليبرالية. 
وفي مقابل هذا الإجماع، طرح بعض المراقبين فكرتين مخالفتين: الأولى هي أن الكثير من الناخبين البيض المنتمين للطبقة العاملة الذين مالوا إلى الحزب الجمهوري، لم يبرحوا منازلهم وسط حملة طبقة رجال الأعمال التي خاضها ميت رومني في 2012. أما الفكرة الثانية، فهي أن أصوات الناخبين الهيسبانيك لم تكن كتلة واحدةً موحَّدةً تصوّت على أساس موضوع سياسي معين ومؤيدة للهجرة. وبالتالي، فقد كان من السهل تخيل الجمهوريين يصمدون في بلد يتغير عبر ميلهم أكثر إلى الشعبوية بخصوص المواضيع الاقتصادية، مثلما كان من السهل تخيلهم يسيرون في الاتجاه الأكثر ليبرالية الذي يفضله متبرعو الحزب ومستشاروه. 
وبعد استحقاقين انتخابيين وطنيين كان فيهما دونالد ترامب على رأس التذكرة الرئاسية، يستطيع أولئك المعارضون القول بأن ما حدث في الانتخابات يؤكد صحة ما ذهبوا إليه. ففي الدورة الرئاسية الثانية على التوالي، ورغم الوباء والأزمة الاقتصادية والأخطاء الجسيمة، كان ترامب مرشحاً تنافسياً قوياً بائتلاف ضم عدداً أكبر من ناخبي الطبقة العاملة والناخبين غير البيض مقارنةً بالتصويت الجمهوري في 2012. ومقارنةً بانتخابات 2016، استطاع ترامب إقناع عدد أكبر من الناخبين البيض الذين لا يملكون شهادات جامعية في العديد من الولايات بالتصويت له، وعزز الدعم الذي يتلقاه من الأميركيين الأفارقة وفي المناطق ذات الأغلبية الهيسبانية.
وفي هذه الاتجاهات يستطيع المرء رؤية إرهاصات أغلبية محافظة ممكنة لمرحلة ما بعد ترامب، أغلبية متعددة الإثنيات تنتمي للطبقة المتوسطة وشعبوية، وهو ائتلاف واسع وليس مجرد كتلة بيضاء وكبيرة في السن. ثم إن تنافسية ائتلاف ترامب الحالي، وحقيقة أنه لم يُهزم ببساطة مثلما توقعت استطلاعات الرأي، وأن حزبه أبلى في الانتخابات بلاءً أحسن مما كان متوقعاً.. كلها أشياء تقلّص احتمالات أن يحاول خلفاؤه المحتملون إعادة عقارب الساعة إلى 2012. وبدلاً من ذلك، فإنهم سيَعِدون على الأرجح بإعادة رص صفوف ائتلافه الشعبوي كخطوة أولى، عوضاً عن محاولة إعادة البناء حول الطبقة العليا الكبيرة التي باتت أميل للأفكار «الديمقراطية» الآن. 
غير أنه إذا كان ائتلاف ترامب ذا تنافسية قوية، فإنه هو نفسه هُزم، ليس أقل من هزيمة رومني في 2012. وبالتالي، فالسؤال الموجه للسياسيين «الجمهوريين» الذين يخوضون تجارب الأداء حالياً ليصبحوا ترامبيين بعد ترامب، هو ما إن كانت لديهم بالفعل خطة لإعادة البناء بشكل أكبر وأفضل، ولتحويل الائتلاف الشعبوي اليميني من الأقلية القوية التي يمثّلها اليوم إلى الأغلبية التي يمكن أن يكونها؟
الرأي المتفائل يرى أن الطريقة المثلى لفعل ذلك واضحة: فترامب كان في أعلى مستوى من الافتقار للشعبية عندما كان يتصرف بفظاظة وتخلى عن صنع السياسات للحرس القديم للحزب الجمهوري، وبالتالي يتعين على خلفائه المحتملين أن يتصرفوا بشكل أقل كطغاة، ويتجنَّبوا الإهانات واستخدام الخطابات التي تنضح بالسلبية والغضب، وأن يَفُوا ببعض الوعود التي تركها ترامب. نسخة متطورة من الشعبوية لا تنفّر عدداً كبيراً من الناس بخطابها، وتَعد بدعم أكبر للأسر والصناعات المحلية، وتقبل بالرعاية الصحية الشاملة، وتهاجم الاحتكار، وتُبقي على هجرة أصحاب المهارات المتدنِّية منخفضةً، كل ذلك بالتوازي مع مواجهة الصين، وتجنّب التورط في الشرق الأوسط، ومحاربة التقدمية النخبوية بشراسة.. فإليك أغلبيتك الجمهورية الجديدة! 
لكن هناك سيناريوهات أخرى ممكنة، ومنها أن بعض الناخبين الذين صوّتوا للحزب الجمهوري في الدورتين الرئاسيتين الأخيرتين فعلوا ذلك لأنهم جُذبوا بكاريزما المشاهير التي يتمتع بها ترامب وبأي من حججه السياسية، وأنه إذا كان قد نفّر نساء الضواحي ببعض سلوكياته أحياناً، فإن ذلك ساعده أيضاً على زيادة جاذبيته بين الكتل الساخطة في البلاد. وفي هذه الحالة لا يمكنك بكل بساطة أن تزيل العيوب التي لا تعجبك وتتوقع من سياسي مختلف أن يحظى بالدعم نفسه.
ثم إنه حتى إن أمكن لجمهوري آخر أن يصنع ائتلافَه ويقوم بتوسيعه، فإنه من غير الواضح أن ترامب نفسه سيسمح بحدوث ذلك. وأحد أسباب ذلك تكمن في إمكانية ترشحه مرة أخرى، فهو سيبقي على تلك الإمكانية مفتوحةً بكل تأكيد، ما يعني أن كل خلفائه المحتملين سيحتاجون للتسابق على نيل رضاه، أو على الأقل تجنب نوبات غضب قادمة من منتجعه في فلوريدا. وقد كان واضحاً دائماً أن ترامب سيلجأ لسردية الغدر والطعن في الظهر حال هزيمته، والآن وقد بتنا نعرف أن السباق كان متقارباً في عدد من الولايات المحورية، فإن خطاب «الانتخابات المسروقة» يمكن أن يكون قوياً بما يكفي لدفع التيار المحافظ نحو التطرف، وبعيداً عن شعبوية بنّاءة وترامبية تستطيع الفوز. 
وعليه، فإن ترامب سيخرج من الرئاسة بتركة معقدة وغير أكيدة، باعتباره الرجل الذي فتح الباب أمام أغلبية شعبوية ممكنة، وفي الوقت نفسه أحد أكبر العراقيل الممكنة (خلال السنوات الأربع المقبلة على الأقل) للجمهوريين الذين يريدون السير في ذاك الطريق. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز» 

Canonical URL: https://www.nytimes.com/2020/11/07/opinion/sunday/is-there-a-trumpism-after-trump.html