لن تكون مهمة جو بايدن في البيت الأبيض سهلة، إذا تأكد فوزه في الانتخابات الرئاسية بشكل نهائي. فسيعمل، في هذه الحالة، مع كونجرس منقسم، وعدد أكبر من حكام الولايات «الجمهوريين». وهذا هو الجانب الآخر للانتخابات الأميركية، لأن الإعلام لا يغطيه إلا على المستوى المحلي داخل الولايات، والعالم لا يُعنى به. إن انتخابات الرئاسة هي واحدة من ثلاث عمليات انتخابية رئيسية أُجريت في الوقت نفسه، وشملت أعضاء مجلس النواب جميعهم (538 عضواً) وثلث أعضاء مجلس الشيوخ، و11 من حكام الولايات.
وقد أصبح «الحزب الديمقراطي» في وضع أضعف على مستوى حكام الولايات، ويُرجَّح أن يكون كذلك في الكونجرس عندما تُجرى الإعادة على مقعدين في مجلس الشيوخ في ولاية جورجيا في 5 يناير المقبل. ورغم أنه احتفظ بالأغلبية في مجلس النواب، فقد تراجعت هذه الأغلبية وضاق الفرق بين الحزبين مقارنةً بما كان في العامين الماضيين.
لم تحدث الموجة الزرقاء (نسبة إلى اللون المميز للحزب الديمقراطي) التي توقعها كثير من المراقبين عشية الانتخابات. فقد الحزب الديمقراطي منصب حاكم ولاية مونتانا، إذ خسر الحاكم الحالي المنتمي إليه ستيف بولوك أمام المرشح «الجمهوري» ستيف دافييز، فيما أُعيد انتخاب معظم الحكام، سواء الجمهوريون أو الديمقراطيون، في الولايات الأخرى. وأخفقت التوقعات بشأن انتزاع الحزب الديمقراطي منصب الحاكم في ولايتي نيوهامشاير وميسوري، أو إحداهما. وأُعيد انتخاب حاكميها الجمهوريين كريس سونونو ومايك بارسون. وسيكون على بايدن، والحال هكذا، أن يتعامل مع عدد أكبر من حكام الولايات الجمهوريين الذين ازداد عددهم من 26 إلى 27 حاكماً.
لكن مشكلة بايدن الأهم، والتي قد تُضعف مركزه، ستكون مع مجلس الشيوخ الذي ستُحسم الأغلبية به في 5 يناير المقبل، عندما تُعاد الانتخابات على مقعدي ولاية جورجيا التي يفرض قانونها حصول أي مرشح على أكثر من نصف أصوات المقترعين لكي يفوز، وهو ما لم يحدث. لكن كفة المرشحين الجمهوريين السناتور ديفيد بيرديو والسناتور(ة) كيلي لوفر، تبدو أرجح من الديمقراطيين جون أوسوف ورافائيل وارنوك. ويحتاج الحزب الجمهوري إلى الفوز بأحد هذين المقعدين فقط للحصول على الأغلبية، بعد أن أصبح لديه 50 مقعداً مقابل 48 للحزب الديمقراطي. وهذا هو الأرجح، بخلاف توقعات سابقة بأن ينتزع الحزب الديمقراطي الأغلبية. ودعم تلك التوقعات، بعد ظهر 3 نوفمبر الماضي، ظهورُ مؤشرات فوزه بمقعد احتفظ به الحزب الجمهوري لفترة طويلة في ولاية أريزونا، وهو مقعد السناتور الراحل جون ماكين. فقد حقق الديمقراطي مارك كيلي فوزاً لم يكن متوقعاً في هذه الولاية.
ولذا سيواجه بايدن، إذا تأكد فوزه، صعوبات في تمرير بعض خططه المهمة المتضمنة في وعوده الانتخابية، مثل خطة التحفيز الجديدة لمساعدة الشركات الصغيرة والأفراد في مواجهة تداعيات جائحة كورونا. وربما يكون هذا أول اختبار لبايدن في مجال الاقتصاد والمجتمع.
وكان المشروع الذي قدمه نواب ديمقراطيون لهذا الغرض قد تعثر بسبب عدم موافقة الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ الحالي عليه. وإذ يُرجح احتفاظ الجمهوريين بهذه الأغلبية، ربما لا يستطيع بايدن تمرير هذا المشروع ما لم يتم تعديله وفق رؤية الجمهوريين. وسيكون الاختبار الذي يواجه بايدن هو مدى قدرته على التوفيق بين المشروع الذي يطمح إليه الديمقراطيون، واعتراضات الجمهوريين على حجمه، ليثبت أنه يستطيع وضع حد للانقسام العميق. ويبدو أنه يسعى إلى تجنب هذا الاختبار، وهو في البيت الأبيض، عبر محاولة جديدة لإقرار حزمة التحفيز قبل تنصيبه. وهذا ما يمكن استنتاجه من بيان صدر عقب اجتماعه مع رئيسة مجلس النواب وزعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ قبل أيام.
كما سيواجه بايدن صعوبات قد تكون أكبر في محاولته تحقيق وعوده في المجال الاجتماعي، لأن أعضاء الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ سيعرقلونها لتعارضها مع اتجاهات حزبهم. وهذا خلاف تقليدي قديم بين الحزبين. لكن ناخبي بايدن، وكذلك اليساريون في حزبه، ينتظرون ما وعد به مثل زيادة شبكات الضمان الاجتماعي، ورفع سقف الإعفاء من ضرائب الدخل إلى 400 ألف دولار، وزيادة نسبة الضرائب على الشركات من 21% إلى 28%، إلى جانب وعوده الأخرى مثل الاستثمار في البنية التحتية والطاقة النظيفة. وهذا كله لا يلقى قبولاً لدى الجمهوريين.
ستكون مهمة بايدن، إذن، صعبة في البيت الأبيض، مثلما كانت في السعي إلى بلوغه.