في ظل المتغير اليومي المتسارع في العالم، تدخل اهتمامات الدول في إقامة علاقات مع غيرها أينما وجدت في كيفية الاستفادة من هذه العلاقة. وربما تكون إسرائيل من أكثر دول العالم قدرة على التعامل مع هذا المتغير. فلطالما رأت نفسها دولة معزولة في محيط معادي، مما جعلها تتطلع إلى دول العالم قاطبة. وهي، وإن كانت شبه ضامنة لعلاقات قوية مع معظم دول القارة الأوروبية وأميركا الشمالية، إلا أنها كانت تجهد أمامها حوائط صد في قارات آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.
لكن، ما هي العوامل الكامنة وراء النجاحات الخارجية الإسرائيلية؟ ثمة ثلاثة عوامل رئيسية في هذا الخصوص:
أولها خارجي يجسده رصيد إسرائيل الثمين في العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية. فمن يريد جسراً (ثم تطوراً) لعلاقته مع الدولة العظمى (خاصة في سنوات الأحادية القطبية عقب سقوط الاتحاد السوفييتي) عليه في الغالب أن يذهب إلى إسرائيل طالباً عونها. فاللوبي الموالي لإسرائيل في الولايات المتحدة، وهو منظمة «إيباك» (اللجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة) التي تعَد أهم جماعة ضغط على الساحة الأميركية. ويعتبر مؤتمرها السنوي من أكبر التجمعات السياسية في واشنطن حيث يحضره قادة إسرائيل مع قيادات الكونغرس وعموم البيت الأبيض وباقي أركان الإدارة الأميركية.. وكلهم يحرصون على خطب ود المنظمة التي ثبت تأثيرها في حملات الترشيح للانتخابات الأميركية، الرئاسية منها والتشريعية، علاوة على السياسة الأميركية الخارجية لاسيما في منطقة الشرق الأوسط. 
وتعتبر إسرائيل من العوامل الهامة المؤثرة في السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، إذ لا يختلف الحزبان الرئيسيان الأميركيان، «الجمهوري» و«الديمقراطي»، في اعتبارها حليفاً استراتيجياً، وفي كون علاقة التحالف معها ضروري لتعزيز الوجود الأميركي في الشرق الأوسط.
أما العاملان الجاذبان الثاني والثالث فداخليان، أي من إسرائيل ذاتها، حيث يتجسد العامل الثاني في حقيقة نجاح الدولة الإسرائيلية في مجالات عدة على رأسها التكنولوجيا الطبية والزراعية وتقنيات تصفية المياه والتنمية والأمن والتدريب العسكري، وهي مجالات تطمح الدول المختلفة إلى تلقي الدعم الإسرائيلي فيها. فإسرائيل اليوم دولة ناجحة، لديها قوة واقتصاد وتطور علمي وتكنولوجي، وهي تنفق أكثر من 4.4% من دخلها القومي (أي بواقع حوالي 10 مليارات دولار) على البحث العلمي التطبيقي، وبذلك فهي الدولة الأكثر إنفاقاً في هذا المجال على مستوى العالم.. ما جعلها في المصاف الأولى عالمياً من حيث التطور التقني والفني والعلمي.
أما العامل الثالث فيتجلى في واقع أن لإسرائيل مشروعاً كاملا يتضمن أجندة ممأسسة وشاملة للتواصل مع سائر دول العالم كسباً لودها وللعلاقات معها. وهذا مرده رغبة الدولة الإسرائيلية في تثبيت وجودها وفك ما تعتبره «الحصار السياسي الاقتصادي» حولها. ولتحقيق هذا الغرض امتلكت دبلوماسية نشطة وفاعلة، واستطاعت خلال العقود والسنوات الأخيرة إخراج نفسها من العزلة السياسية التي فرضتها على نفسها طوال سنين ممتدة حين ركزت فقط على مناطق مريحة لها تضمنت أساساً الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبا الغربية.