صدر للبابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية، كتاب جديد عنوانه «دعونا نحلم»، توحي مراجعة هذا الكتاب بأن الأمر الذي يدعو البابا للحلم به، هو ترجمة وثيقة أبوظبي حول «الأخوة الإنسانية» ترجمة عملية، لا يقول البابا ذلك حرفياً أو مباشرة، ولكن كل الأحلام التي أعرب عن تمنياته بأن تشارك الإنسانية فيها، وردت في الوثيقة الظبيانية التي عقدها مع إمام الأزهر الشيخ أحمد الطيب، الشيء الجديد والمميز في كتابه هو أنه يربط هذه الأحلام بجائحة كورنا (كوفيد-19)، وبكيفية التعامل الإنساني المشترك لمكافحتها معاً.
يقول بابا الكنيسة الكاثوليكية: «إذا كان علينا أن نخرج من هذه المحنة بأنانية أقل مما كنا عليه قبل المحنة، فإن علينا أن نشارك الآخرين آلامهم، فالخطر الذي يتهددنا ليس خطراً لا راد له، فهناك دائماً طريق للخروج، فحيث يكون الخطر تنمو إرادة الخلاص، من هنا العبقرية في القصة الإنسانية –كما يقول البابا- هناك دائماً طريق لتجنب الدمار، والعمل الإنساني يكون من هناك حيث الخطر، وهنا يجب علينا أن نفتح الأبواب».
ويقول البابا: «إننا نعيش اللحظة التي تحتم علينا أن نحلم كثيراً، وأن نعيد التفكير في الأولويات: في الأمور التي نقدر عليها، وفي الأمور التي نريدها، وفي الأمور التي نسعى إليها، ومن ثم أن نلزم أنفسنا بأن نعمل كل يوم من أجل تحقيق ما نحلم به.. لقد كشف وباء كورونا أن الإنسانية بقدر ما هي عميقة التداخل، فإنها شديدة الانقسام أيضاً».
ويتحدث البابا فرنسيس في كتابه أيضاً عن «الجشع الاستهلاكي»، ويقول: «إنه يقطع أوصال الانتماء إلى الأسرة الإنسانية الواحدة، وإنه يحملنا على ألا نفكر إلا بأنفسنا وبرغباتنا وأنانياتنا، مما يؤدي إلى تضخم مخاوفنا، وبالتالي إلى تضخّم عمليات استثمار هذه المخاوف واستغلالها، ومن هنا تنبت الحركات السياسية الشعبوية التي تسعى للوصول إلى السلطة على حساب المجتمع».
ويعتبر البابا أنه إزاء ذلك «يصبح من الصعب بناء ثقافة معاكسة، بحيث يكون بإمكاننا أن نلتقي أمماً وشعوباً على قاعدة كرامة إنسانية مشتركة».
ومما يذكّر بما ورد في وثيقة أبوظبي حول الأخوة الإنسانية قول البابا فرنسيس: «إن الكرامة المشتركة تكمن في الثقافة التي تعنى بسلامة كبار السن، والعاطلين عن العمل والمعوقين والأطفال، وحتى أولئك الذين لم يولدوا بعد»، وقد وصف جميع هؤلاء بأنهم «يشكلون دائرة حياتنا وأساس ازدهارنا».
ولخروج الإنسانية من المأزق الذي نواجهه في الوقت الحاضر، «فإن علينا كجماعة إنسانية واحدة، إعادة إحياء الحقيقة التي نعرفها جميعاً، وهي أننا نواجه معاً مستقبلاً واحداً، وقد علّمنا كوفيد-19 أن أحداً منا لا يستطيع أن ينجو بنفسه منفرداً».
وفيما يبدو أنه تذكير بما ورد في وثيقة أبوظبي أيضاً، يدعو البابا إلى التضامن الإنساني، ويقول: «إن التضامن ليس مجرد عمل خيري تجاه الآخر، إنه الدعوة لمعانقة حقيقة أساسية وهي أننا متماسكون بروابط متبادلة، وعلى أساس هذه القاعدة نستطيع أن نقيم صرح مستقبل إنساني أفضل».
ويفسّر البابا في كتابه مفهومه للخير المشترك، ويقول: إنه «أكثر من مجرد تقدير الخير للأفراد، إنه يعني الاستجابة لحقوق جميع المواطنين والاستجابة بفعالية لمن أهم أشد حاجة».
ويرسم البابا خطاً فاصلاً عريضاً بين الإيمان العقدي والإيديولوجيا، ويقول: «إن من السهولة بمكان أن يأخذ شخص ما فكرة ما، الحرية لشخصية مثلاً، وأن يحولها إلى إيديولوجية، متسبباً بذلك باصطناع prism يكون أساساً للحكم على ما في ضمائر الناس».
ولكن القصة الشخصية للبابا فرنسيس، عندما أصيب بالتهاب رئوي وهو تلميذ في المدرسة الإكليركية في بوينس آيريس بالأرجنتين، هي الأعمق تأثيراً في الكتاب، فقد اعتقد الأطباء أنه لن يعيش، وتركوا الأمر للممرضات، ولكنه نجا بأعجوبة بإرادة الله، ومساعدة الممرضات اللواتي قدّمنَ له جرعات أكثر من الدواء خلافاً لتعليمات الأطباء، حتى تبوّأ منصب السدة البابوية كأول بابا في تاريخ الفاتيكان يتحدر من إحدى دول أميركا الجنوبية.. وأول بابا من الحركة الدينية الجزويتية.