تنهار فيما يبدو محاولات الرئيس دونالد ترامب لتدمير انتخابات يعتبر أنه فاز بها، وقد تجنبت الولايات المتحدة على الأرجح صراعاً على السلطة بعد الانتخابات، من ذاك النوع الذي تتميز به الدول التي بها ديمقراطيات أقل استقراراً ورسوخاً، لكن التحركات الاستثنائية في الأسابيع الثلاثة الماضية قد تترك علامات دائمة على طريقة الحكم الأميركية، فقد كشف ترامب في النظام اللامركزي العملاق صدوعاً وفجوات كثيرة واختبرها ليرى مدى ما يمكنه الاستفادة منها. 
ووضعت النتيجة نهجاً للكيفية التي يستطيع بها الآخرون المضي قدماً في المستقبل، فالطريقة التي تختار بها أمة ما زعيمها، تعتمد كثيراً على الأعراف والتقاليد وعلى سلامة نوايا العاملين في الانتخابات ومسؤولي الولايات والمسؤولين المحليين، وأظهرت الأسابيع القليلة الماضية الطريقة التي يستطيع بها مرشح التلاعب فيما يبدو، أو يؤثر بشكل غير ملائم على الأحداث والأشخاص البارزين، خاصة إذا بدأ المرشح في بث الشكوك قبل عملية التصويت، كما حاول ترامب هذا بمهاجمته التصويت بالبريد. 
وتشير ميرنا بيريز، مديرة «برنامج الانتخابات وحقوق التصويت» في «مركز برينان من أجل العدل»، إلى أن «الانتخابات هي وسائل نحسم بها الخلافات السياسية سلمياً، وقد حاول ترامب جاهداً طرح اختيار زائف بين، إما فوزه أو أن النظام منهار، وهذا يقوض حقاً النظام الأميركي الذي يختار فيه الشعب قادته وليس العكس»، ورفض ترامب التسليم بأن جو بايدن هو الرئيس المنتخب، واستمر في إصراره على أن هناك وسيلة لإعادة انتخابه. وأيد كثير من «الجمهوريين» مقاومة الرئيس، فقد توصل مسح أجرته «إيكونوميست» و«يوجوف» في الآونة الأخيرة إلى أن 84% من الأعضاء الذين ذكروا أنهم من الحزب الجمهوري يعتقدون بأن بايدن لم يفز بشكل مشروع. 
لكن الأيام القليلة الماضية، شهدت نقطة تحول في الانتقال الرسمي للسلطة، بعد إعلان إدارة الخدمات العامة أنها ستبدأ التنسيق مع فريق إدارة بايدن، ويتلقى بايدن حالياً إفادات الرئيس اليومية السرية عن معلومات استخباراتية حساسة، وهناك ولايات يبلغ عدد أصواتها في المجمع الانتخابي 270 صوتاً، وهو الحد الأدنى للفوز، أقرت فوز بايدن. واعتمدت استراتيجية ترامب لما بعد التصويت لمنع الأمة من الوصول إلى هذه المرحلة على عدة نقاط. 
ومن بين هذه النقاط، كانت القضايا القانونية هي الأضعف بفارق كبير، فقد نشر محامو ترامب وأنصاره ووسائل الإعلام ذات الميول اليمينية، ما زعموا أنها أدلة على تزوير الأصوات، لكن هذه الحجج انهارت بعد التدقيق عن كثب، أو مثلت عدداً من الأصوات أقل مما يؤثر على النتيجة، فقد أسقط القضاة فعلياً كل القضايا التي تقدم بها فريق ترامب القانوني.
وترى جيسكا ليفنسون، الأستاذة بكلية الحقوق في جامعة لويولا بمدينة لوس أنجليس، أن «القضاة الذين عينهم الجمهوريون والذين عينهم الديمقراطيون والقضاة الاتحاديين وقضاة الولايات، جميعهم أدوا عملهم وقاموا بدور حاجز الأمان». 
لكن القضايا كان لها تأثير لأنها صاحبت استراتيجية الرئيس الإعلامية التي زعمت سرقة انتخابات 2020، وتعتقد ليفنسون أن «القضايا نفسها لا تمثل عقبة قانونية، الخطير هو أن هناك على الأرجح ما بين 40 و50 مليون أميركي على الأقل تنطلي عليهم الأباطيل والأكاذيب ونظريات المؤامرة التي لا تُصدق». 
وانتهك الرئيس أيضاً الأعراف بمحاولة التدخل في عملية الانتخابات في بعض الولايات المحورية، فقد اجتمع مع زعماء ولاية ميشيجان الجمهوريين في البيت الأبيض، بينما كان بعض ممثليه في التلفزيون يشيرون إلى أن هؤلاء الجمهوريين من أعضاء المجمع الانتخابي المؤيدين لترامب في الولاية مما يبدد فوز بايدن في ميشيجان، وهاجم ترامب وحلفاؤه براد رافنسبيرجر، وزير خارجية ولاية جورجيا، قبل تأكيد أصوات الولاية، رغم أن السيد رافنسبيرجر نفسه صوت لترامب. 
وهذه السوابق قد تشجع الخاسرين في المستقبل، وخاصة في ظل انتخابات محتدمة على رفض التسليم بالنتيجة والتقدم بدعاوى قضائية متعددة، والسعي لقلب نتائج الولايات ونزع المشروعية عن خصومهم، في محاولات غير نزيهة للفوز بالسلطة.
وتقول السيدة بيريز، من «مركز برينان من أجل العدل»: إن «الهدف لم يكن تقويض نتيجة الانتخابات فحسب، بل تقويض عمليتنا الديمقراطية ككل»، وإحدى وسائل مواجهة هذا قد تكون في وضع معايير وإجراءات في التصويت أكثر شمولاً للبلاد، وهذا قد يطمئن الناخبين إلى أن أنظمتهم الانتخابية تعكس أفضل الممارسات على نطاق واسع.
وكتبت زينب تفكجي، أستاذة علم الاجتماع في جامعة نورث كارولاينا، في صحيفة «نيويورك تايمز»، أن اتباع إجراءات تسجيل أسهل مصحوبة بقواعد بيانات معيارية في التصويت ستمنع محو الناخبين من السجلات، وتساعد في تهدئة القلق من احتمال حدوث تزوير. 

ومما يساعد أيضاً وضع نظام معياري أكثر شيوعاً لمشاركة معلومات الناخبين بين الولايات، وعملية التدقيق التالية للانتخابات، مثل تلك التي تشهدها ولاية جورجيا حالياً، قد تفحص المخالفات دون دراما طلب إعادة الفرز أو مقاضاة الولاية لاتخاذ إجراء. وترى «بيريز» أن مسؤولي عملية التصويت بحاجة لمزيد من الموارد للقيام بعملهم، وتعزيز التثقيف بشأن الحقوق المدنية قد يسد الثغرات في معرفة الناخبين حتى يكونوا أكثر استعداداً لكشف المزاعم الباطلة، وأخيراً يتعين على المواطنين الأميركيين أنفسهم الدفاع عن الديمقراطية، وتؤكد بيريز: «يتعين على الناخبين أن يخبروا سياسيينا، بصوت واحد شديد الوضوح، أننا نريد انتخابات حرة نزيهة ميسورة الدخول»، تكون لنا ولمن يختلفون معنا في الرأي.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»