على المستوى الشخصي لست بحاجة إلى شهادة أوباما لأعرف من خلالها الذكاء الفطري والسياسي لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة. فلقد خبِرت ذلك منذ تشرفت برفقته أثناء أزمة البلقان والحرب التي دارت رحاها بين الصرب والكروات والبوسنيين، والدور الإنساني الذي قامت به القوات المسلحة الإماراتية بقيادة سموه في تسعينيات القرن الماضي.
وأشير هنا إلى ما ذكره أوباما عن سموه، ثم أوضّح رأيي في ما ذهب إليه، حيث أشار أوباما في مذكراته: «محمد بن زايد قائد محنك ومن أذكى الزعماء»، واصفاً إياه بأنه «أذكى زعيم بالمنطقة». أضاف بأن ولي عهد أبوظبي أخبره خلال المحادثة الهاتفية أن التصريحات الأميركية بشأن إقناع الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك بالتنحي عن حكم مصر، تثير قلقاً بالغاً لدى قادة الخليج.
وأضاف أوباما أنه أخبر الشيخ محمد بن زايد آل نهيان برغبته في التعاون معه، لتجنب الاضطرار إلى الاختيار بين جماعة الإخوان والاشتباكات العنيفة المحتملة بين الجماعة من جانب والحكومات وشعوبها من جانب آخر. وأضاف الكتاب أن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان حذر أوباما من أن الرسالة التي وجهتها الإدارة الأميركية لمبارك لم تؤثر عليه فقط، بل ستؤثر على بقية دول المنطقة، وأن «سقوط مصر وتولي الإخوان زمام الأمور يشكل تهديدا لقادة عرب آخرين».
وأكد أوباما في كتابه أن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان «لم يخف معارضته لبيان البيت الأبيض حول مصر»، قائلاً إن «البيان يظهر أن الولايات المتحدة ليست شريكاً يمكن الاعتماد عليه على المدى الطويل».
بماذا نخرج من هذه التزكيات للشيخ محمد بن زايد من قبل أكبر رئيس دولة لفترتين رئاسيتين؟ هذا الثناء لم ينل أي زعيم آخر قد تعرض له في كتابه، فقد انتقد الآخرين بكل صراحة. لم يكن في الأمر مفاضلة بين القادة، بل موازنة سياسية في ما آلت إليه الأحداث خلال فترة أوباما.
لقد كان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد مدركاً بأن المساس بمصر أول حجر الدومينو الذي جر وراءه- بعد النظام في مصر- كلاً من تونس وليبيا وسوريا والعراق واليمن والسودان، في فخ «الربيع الخادع». 
وكان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد وراء دور فاعل لـ«درع الجزيرة» و«تحالف إعادة الأمل» لوقف هذا الانحدار الحاد في وضع الأمة العربية. المعادلة الدقيقة الأخرى التي فطن لها سموه، هي الموازنة الواقعية بين الفوضى في المطالبة بمنظومة حقوق الإنسان، والحفاظ على استقرار الأوطان، واتخاذ سبل التنمية المستدامة لإرساء دعائم حقوق الإنسان بعيداً عن مزايدات الشعارات الرنانة ذات البريق الزائف.
النقطة المفصلية الأهم في حديث أوباما ترتكز على الرهان على الحصان الخاسر، المتمثل في تيار الإسلام السياسي الذي يمسك بتلابيب الدين لتسييسه، أو يمسك بعنق السياسة لتديينها، لكن سموه يدرك بأن الدين وخاصة الإسلامي يجب تنزيهه عن «دنس» السياسة وأحابيلها حفاظاً على قدسيته ونقاوته. والتجارب كانت حاضرة أمام ناظري سموه، وهو يصارح أوباما من أجل الابتعاد عن هذا المضمار. ونلفت الانتباه، بأن أوباما يذكر، وهو خارج السلطة، المآثر السياسية لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، وفي ذلك دليل قوي على صدقية سموه، لأن الأمور تتعلق بحقائق وبعد نظر.
ولم يكن أوباما الرئيس الأميركي الوحيد الذي أثنى- بعد مغادرته سدة الحكم- على سموه، وإنما انضم إليه من لا زال في السلطة «ترامب»، الذي جدد إشادته بصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، قائلاً: «ولي عهد أبوظبي قائد ومحارب عظيم».