سبق أن تحدثنا عن سياسة «الفوضى الخلاقة»، تلك السياسة التي كانت وبالاً ودماراً على دول عربية عدة، والتي تبناها محور الخراب ليستفيد من نتائجها السياسية. وهنا نتحدث تحديداً عن تركيا التي استثمرت في تلك الفوضى، في محاولة لتحقيق مصالحها وتصدير أزماتها الداخلية، السياسية والاقتصادية وحتى الأمنية. وهنا لا بد من الحديث عن الملف السوري الشائك، الذي حتى الساعة يبدو أنه ليس له حل قريب، خاصة أن يد تركيا لا تزال تتحرك في الشمال السوري المرتهن لميليشيات خاضعة لها، حيث تسعى أنقرة لوجود دائم لها هناك. فمن يراقب ما تقوم به في المناطق الخاضعة لسيطرتها يدرك أنها تخطط للبقاء هناك، حيث تقوم بعملية تتريك واسعة تشمل مناهج الدراسة وفرض اللغة التركية، بل وربط معظم الدوائر والمؤسسات بمؤسساتها، وحتى العملة التركية أصبحت العملة المتداولة في تلك المناطق، ناهيك عن التأثير الكبير على الشباب السوري واستمالته بكافة الطرق.. لتؤثر بذلك على الهوية السورية ولتستخدم أولئك الشباب لاحقاً في مؤامراتها ضد دول عدة، وبما يخدم مصلحتها وليس مصلحة السوريين، بل بما يجعل سوريا بلداً مدمراً ومقسَّماً كذلك.
سوريا، تلك الدولة التي تعيش في وجداننا، زارها معظمنا ولنا فيها ذكريات جميلة، في دمشق وسوقها في المدينة القديمة، وأيضاً في جبالها وبحرها، وفي الزبداني وبلودان.. تلك المنتجعات التي كانت تعج بالزوار من دول الخليج العربي قاطبة. هذا البلد وبسبب سياسة «الفوضى الخلاقة» قد تدمر وهُجِّر أهله. فحسب الأمم المتحدة، نزح وتشرد نصف سكان سوريا.. أكثر من 6.5 مليون نازح و5.5 مليون لاجئ، هذا عدا عن السوريين في الداخل ممن يعيشون أوضاعاً صحية ومادية صعبة للغاية، لصعوبة تأمين قوتهم اليومي، وقد ضاعفها وباء كورونا الذي أنهك الشعب تماماً. كذلك لا بد من ذكر عدد ضحايا وقتلى تلك الحرب، والذي قارب رقمه من 400 ألف قتيل، أما الخسائر المادية فحدث ولا حرج عن أرقام مليارية حسب تقرير لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا ومركز الدراسات السورية في جامعة سانت آندروز، حيث «تقدر قيمة الدمار المادي لرأس المال بنحو 117.7 مليار دولار، والخسارة في الناتج المحلي الإجمالي بمبلغ 324.5 مليار دولار، مما يضع تكلفة الاقتصاد الكلي للصراع عند نحو 442 مليار دولار». 
لكن ما لفتني في الأزمة السورية هو الأثر الاجتماعي المدمر الذي حول شباباً سوريين إلى مرتزق تدفع بهم الدول التي تمول الحروب، مثل تركيا وغيرها، إلى الانغماس في معارك لا علاقة لهم بها. ففي ليبيا جندت تركيا آلاف المرتزقة السوريين للمشاركة مع ميليشيات حكومة الوفاق للوقوف ضد الشرعية. وفي الحرب ضد أرمينا دفعت أيضاً بالآلاف منهم. وسبق لسفير أرمينيا في موسكو أن أكد إرسال تركيا 4000 مرتزق سوري من شمال سوريا للمشاركة في الحرب ضد بلاده. وكل ذلك بسبب سياسات تركيا التي أغوت ذلك الشباب العاطل عن العمل والباحث عن قوته اليومي، ليجد في وعود بآلاف الدولارات حلاً لواقعه المرير. لكن المأساة هي أن تركيا لن تقدم لهم المال الذي وعدتهم به. بل قد يعود أكثرهم جثثاً هامدة إلى أهلهم. وكما ذكرنا فذلك هو نهج «الفوضى الخلاقة» الذي وجدت فيه تركيا سبيلاً لتحقيق مصالحها. ويبقى ثمة أمل قوي بأن لا تكون فترة بايدن تكراراً لمرحلة أوباما.

*كاتب إماراتي