قبل الاتحاد أين موقع الإمارات من معادلة السلام؟ يغفل البعض بأن الإمارات كانت مشروعاً سياسياً جاهزاً للسلام منذ أن كانت تسمى بالإمارات المتصالحة، فهي دوماً بعيدة عن الخصومة والعداوة. فالسلام الفِطري كان ديدنها والسماحة بين إمارات الساحل المتصالح كان غايتها السلم والعيش بسلام وفق منظومة سياسية تبعدها عن الحروب والنزاعات التي لا طائل من ورائها.
هذه مرحلة، تلتها خطوة الوحدة، التي قادها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وعضده المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، اللذان بدآ هذا المشوار السياسي السلمي منذ عام 1969 وحتى عام 1971.
ما هي الأسس التي قوت من بنيان الاتحاد منذ التفكير العميق فيه؟ سعى زايد، رحمه الله، جاهداً لزرع القناعات وتحييد الصراعات وتجنبها قدر المستطاع، في كل لقاءاته مع بقية شيوخ الإمارات المتهادنة والمتصالحة، كلا على حدة. وكان واضحاً عدم الضغط أو التلويح بالقوة لتحقيق الوحدة للوصول إلى مرحلة الاتحاد المنشود، ولم يتم فرض الاتحاد رأسياً على المستهدفين، بل كان الطرح السلمي الهادئ، ودون استعجال قطف الثمر قبل النضوج ولا قبل أوانه تجنباً للقاعدة التي تقول بأنه «من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه».
وذلك، لأن تجربة الوحدة المصرية السورية، كنت حاضرة على مشهد النظام العربي، والتي لم تستمر أكثر من ثلاثة أعوام، لأنها فُرضت بقوة القرار السيادي من الأعلى إلى الأسفل، فعند أول خلاف انفض السامري، وألغيت تلك الوحدة اليتيمة بجرة قلم.
أما حصيلة ثلاث سنوات، التي أمضاها زايد وراشد من المشاورات، فقد أنتجت اتحاداً سلمياً دام نصف قرن من التنمية ويتواصل دوماً من أجل البناء للمستقبل، فها نحن نشهد التخطيط لنصف قرن آت.
واصلت الإمارات نهجها السلمي في محيطها الخليجي، عندما عُقدت أول قمة خليجية في العاصمة أبوظبي، في 25 مايو 1981، للعمل على تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وكان من اللافت في هذه القمة المهمة، هو دعوة المغفور له الشيخ زايد القادة إلى الاتحاد، وهي فرصة لا تعوض، وذلك دأب زايد في حكمه.
فمضت الإمارات مع القادة في هذا المجلس السلمي، والذي أكمل اليوم أربعة عقود رغم تعرضه لمجموعة من الأعاصير كحرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، وحرب الخليج الثانية في غزو العراق للكويت، وكذلك خروج قطر عن هذا السرب وتعرض البحرين لمؤامرات «الربيع العربي» الزائف.
الآن نأتي إلى القانون الدولي الذي يعتبر منظومة الاتحادات بين الدول، هي منظومة سلمية تحمل أعلى درجات الشرعية الدولية، والتي تشق طريقها عبر القبول بالتعايش السلمي مع الآخر المختلف. فمن هذا المنطلق، تعتبر الولايات المتحدة اتحاداً سلمياً وكذلك الاتحاد السويسري والمكسيكي والكندي والأسترالي. فالإمارات في اتحادها تقف مع هذه الدول المتقدمة في صف واحد من حيث النظام السياسي، وكذلك دستورها أقرب إلى الدستور الكندي من حيث توزيع الصلاحيات وتقسيم الأدوار. فالإمارات صنعت السلام في ذاتها، حيث تواجدت منذ البداية في المناطق الساخنة، وكان دورها دائماً حث الأطراف المتصارعة للجلوس على طاولة الحوار للتوصل إلى نقطة سلام لوقف الحروب الأهلية والبينية.
ففي حروب البلقان كانت الإمارات طرفاً محايداً بين مسلمي البوسنة والصرب والكروات، وفي أفغانستان كانت تبني مشاريع التنمية المستدامة دون أن تطلق الرصاص. وكذلك في لبنان كانت تنزع الألغام وفي السودان تنشر الوئام.
وهكذا هو واقع الإمارات التي تمضى قُدماً بمنظومتها السلمية، وتطبقها أينما حلت ومع من تعاملت، لأنها في الأساس شيدت بنيانها الداخلي على السلام.