بالنسبة للكثيرين، كانت تلك لحظة وحدة وأمل. اجتمع ممثلون من دول حول العالم في باريس في ديسمبر 2015 واتفقوا على اتخاذ تدابير جذرية للحد من تغير المناخ. لكن ما يكمن وراء اتفاقية باريس هو إدراك أن تلك الخطط الطموحة لن تحقق في الواقع الهدف الدولي المتفق عليه المتمثل في الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 1.5 درجة مئوية، كما يقول «ألدن ماير»، خبير بارز في مؤسسة «إي 3 جي»«الأوروبية للتغير المناخي.
كانت هناك «فجوة في الطموح»، كما يقول، لذلك اتفق الطرفان على الاجتماع مجدداً وتحديث أهدافهما كل خمس سنوات.
في يوم السبت الماضي، حلت الذكرى الخامسة لاتفاق باريس، اجتمع قادة العالم المشاركون مرة أخرى -هذه المرة افتراضيا -لإعادة تأكيد التزامهم بالاتفاقية وطرح خطط أكثر جرأة.
وحسب «راشيل كليتس»، مديرة السياسة بـ«برنامج المناخ والطاقة» في اتحاد العلماء المهتمين: «الأمر كله يتعلق بوضع المزيد من التفاصيل. فالأمر يتعلق بأن تقدم البلدان تعهدات طموحة فحسب، بل تدعمها بخطط سياسية طموحة وذات مصداقية محليا للتأكد من أنها تستطيع الوفاء بالتزاماتها الدولية».
قدمت قمة المناخ الطموح 2020 بالفعل المزيد من الخطط الملموسة للوصول إلى أهداف نبيلة من العديد من القادة الدوليين. لكن الخبراء يقولون إنه لا يزال هناك عمل يتعين القيام به.
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، أشار يوم السبت الماضي، إلى أن «القمة بعثت الآن بإشارات قوية بأن المزيد من البلدان والمزيد من الشركات مستعدة لاتخاذ إجراءات مناخية جريئة يعتمد عليها أمننا وازدهارنا في المستقبل». وأضاف: «كان اليوم خطوة مهمة إلى الأمام، لكنها ليست كافية. دعونا لا ننسى أننا ما زلنا في الطريق لزيادة درجة الحرارة بمقدار 3 درجات على الأقل في نهاية القرن، وهو ما سيكون كارثياً».
بالنسبة لقمة السبت الماضي قدمت 71 دولة خططاً وطنية أكثر طموحا للمناخ. تضمّن العديد منها أهدافا أكثر قوة بشكل ملحوظ مما تم تحديده في قمة باريس، وركز 45 هدفاً على المستويات المرجو تحقيقها في عام 2030. على سبيل المثال، وضع الاتحاد الأوروبي الآن أهدافا أعلى من تلك التي وافق عليها في باريس، ووعد بتقليل صافي انبعاثات الكربون بنسبة 55% مقارنة بمستويات عام 1990 بحلول عام 2030.
وتعهدت العديد من البلدان بخفض الانبعاثات إلى الصفر بحلول منتصف القرن -أو قبل ذلك، في كثير من الحالات، وأبرزها دول من مجموعة العشرين مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي والأرجنتين.
منذ اتفاق باريس، خطت بعض الدول خطوات كبيرة في خفض انبعاثاتها. انتقلت الهند، على سبيل المثال، من كونها مصدراً متنامياً للانبعاثات العالمية إلى كونها تسير على الطريق الصحيح لتلبية الخطط الدولية للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى درجتين مئويتين، وفقاً لمتتبع العمل المناخي. وتميل البلدان التي أحرزت تقدما ملحوظا إلى الوصول إلى الحد الأدنى من انبعاثات الكربون.
لكن انبعاثات الكربون العالمية استمرت في الارتفاع، ومن الصعب قياس معظم التقدم الذي تم إحرازه في نصف العقد الماضي.
تقول كليتس إن هناك ابتعاداً عن استخدام الفحم في معظم أنحاء الغرب، تزامناً مع انخفاض تكاليف مصادر الطاقة المتجددة، مما يجعل مصادر الطاقة هذه قادرة على المنافسة مع الوقود الأحفوري في أجزاء كثيرة من العالم.
وحسب «كاثرين ماش»، الأستاذة المساعدة في كلية العلوم البحرية والغلاف الجوي بجامعة ميامي: «تكنولوجياً، نعرف كيفية خفض الانبعاثات بنسبة 80%، وهذا هو الخيار الصحيح اقتصاديا، والخيار الأقل تكلفة، في المزيد والمزيد من الأماكن».
بالنسبة لمايكل مان، أستاذ علوم الغلاف الجوي في جامعة بنسلفانيا، فإن «الطموح قريب من التفاؤل والأمل، وكل زيادة في الاحترار تلحق الضرر، لذلك لا يمكننا أبداً أن نكون طموحين للغاية. لكن يجب علينا أيضا أن ندرك القيود السياسية التي نعمل في ظلها ونعمل على تحقيق تقدم ممكن في ظل هذه القيود».
هناك مصدر قلق كبير للمشاركين في اتفاقية باريس ونشطاء تغير المناخ، وهو عدم اتخاذ إجراءات من قبل بعض أكبر الدول المسببة للانبعاثات، مثل أستراليا والولايات المتحدة. لقد برزت الولايات المتحدة كقائدة في تعهدات المناخ قبل خمس سنوات، ولكن مع انسحابها من الاتفاقية في عهد ترامب، تغير ذلك بشكل حاد.
الآن، قال الرئيس المنتخب جو بايدن، الذي جعل تغير المناخ جزءاً أساسياً من حملته، إنه يخطط للانضمام مرة أخرى إلى اتفاقية باريس. لكن الكثير من العالم ينتظر ليرى ما يمكن تحقيقه بالفعل عندما يتولى منصبه في يناير.
يقول ماير:«إن العالم يدرك بشكل مؤلم الطبيعة المذبذبة للسياسة الأميركية»والانقسام الحزبي. ويضيف«السؤال الذي يطرحه الناس في الخارج هو ما الذي يمكن أن تقدمه الولايات المتحدة، في ظل التوترات السياسية؟».
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»