العالم بعد أيام قليلة على مشارف توديع عام 2020 ليستقبل عاماً جديداً، نسأل الله خيره، وأن يكون حافلاً بالخير والسكينة والاستقرار والسلامة، وهذه السنة الصارمة ليست ككل السنوات، فستبقى مواجعها وتقلباتها وأفراحها وأتراحها راسخة في الذاكرة، وحديث المؤرخين وكل من كان شاهداً على هذه الفترة الصعبة، ومفصلاً تاريخياً للدخول في مرحلة جديدة، كما تنبأ بذلك كثير من الباحثين في الدراسات المستقبلية، وأن ما بعد هذا العام ليس كما قبله.
ومما يثير الانتباه والملاحظة أن الكثيرين تشاءموا بهذه السنة، فأطلقوا عليها أوصافاً سيئة من قبيل «عام الحزن» وعام «الخوف والحذر» و«عام الحجر» وسوى ذلك من الأوصاف الدالة على التطير والتشاؤم وعدم الرضا، وقد يكون لها مصداقية لدى من يتمسك بظواهر الأمور، فكثيرون فقدوا قريباً أو حبيباً أو صديقاً، وكثيرون أيضاً قد يكونون خسروا مصالحهم الاقتصادية، أو ذهب عنهم ما ألفوه من التقارب والتواصل الأسري والاجتماعات مع الأصدقاء، والسياحة والسير في الأرض والرحلات عبر العالم للاستجمام والراحة، فلا شك أنها سنة حفتها المحن والمكاره، وتنازعها الخوف والرجاء، وغلب عليها في لحظاتِ ضعفِ النفس اليأس والقنوط والإدبار، وأبدى فيها الكثيرون التطلع إلى لحظات السكينة والسلام والراحة والاطمئنان. فرحمة الله على من فَقدنا، والشفاء والعافية الشاملة لكل من أصيب، وأخلف الله خيراً على من خسر خسارة مادية أو غيرها، ونسأل الله أن يعظم أجر الجميع.
بيد أن الدواعي والأسباب التي تجعلنا نُعدل رؤيتنا لهذه السنة من سنة الحزن إلى عام النعم، أنه رغم كل ما تقدم فهذه السنة هي عام المِنَن والتغير الإيجابي في ذواتنا وأسرنا وتواصلنا وعاداتنا الاستهلاكية وغيرها، والانفتاح على المستقبل، واكتشاف الإنسانية نفسها، والتعاون بين البشرية من أجل مصلحة هذا الكون. وديننا يعلمنا قيم التفاؤل والإيجابية وحسن الظن، واستشراف المستقبل والعمل له، فهو الذي أمرنا أن أن نتلقى المحن بجنة الصبر، ونشكر الله ونحمده على كل حال. وعلمنا أن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا، وحثنا على القناعة والرضا بما قدره الله وقضاه غاية الرضا، وأمرنا أن نأخذ بالأسباب ثم نتوكل عليه، ونتضرع إليه أن يرفع ما نزل بنا، ويلطف بنا فهو اللطيف بعباده.
ومن تلك الدواعي أن الشدة والبأساء والمصائب والكوارث إنما هي بواعث الخير في النفوس، فهي التي تجعل الإنسان يبذل كل ما بوسعه، ويركب الصعاب، ويضحي بالغالي والنفيس، ويفل الحديد، ويفك أصعب الشفرات، ليتجاوز التحديات، فكم من محنة تنطوي على منحة، وكم من نقمة في حقيقتها نعمة، (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) فضغوط الجائحة ووطأتُها هيأت الدواعي لظهور حلول وفرص في مجالات العلوم والطب والنقل، وتعاون دول العالم لتحقيق المنجزات العظيمة، مما فيه خير للبشرية والإنسانية، وتلك سنة كونية جارية في كل الأزمان والعصور، فالحاجة أم الاختراع كما يقال.
ومن الكلمات المأثورة قولهم: «لو كشف الغطاء للإنسان لما اختار إلا الواقع» ، تلك كلمة تؤيدها تعاليم ديننا. فكل الخير في ما اختاره الله و«عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير»، فهذه الجائحة كانت سبباً للجد وتحسين العمل، والأخذ بالأسباب بقوة، ومواجهة المشاق بعلم وإرادة، فتحقق للعالم ما لم يكن ليتحقق في عقود في مجالات التعليم عن بعد، ووسائل التواصل والمواصلات، وأصبحت الإنسانية قاب قوسين أو أدنى من أن تكون على قلب واحد، مما حقق التآلف والتصافي والتقارب؛ لأن الجميع أدرك ضعفه بمفرده، وأن التعاون والتضامن هو الحل.
ونحن في دولة الإمارات العربية المتحدة نكتشف -وإنْ كنا على يقين لا يتزحزح قبل ذلك- أن دولتنا لا مثيل لها في الجاهزية واستشراف المستقبل، والاهتمام بالإنسان وصحته وسلامته، وطلبها الواحد من المواطنين والمقيمين أن لا يحملوا هماً ولا يحزنوا، فهذا الوضع سيمضي لا محالة، فإذا كان العالم يعيش أجواء من الخوف فقد كنا في دولة الإمارات في عز الأزمة نتلقى البشائر ورسائل الطمأنينة من قيادتنا، يوماً بيوم وساعة بساعة، فكم كان كل من يعيش على ثرى هذه الدولة محظوظاً، وسعادتنا بهذا النجاح والتصدي لكل التحديات وتحويلها إلى فرص لا توصف، وهذا يستوجب منا الشكر والثناء والدعاء لهذه القيادة الرشيدة الموفقة.
ورغم أن العالم قد شله هذا الوباء وتوقفت التنمية، إلا أن دولة الإمارات استمرت في إنجازاتها ومشاريعها الإنسانية والتنموية الكبرى، ولم يشغلها مكافحة هذا الوباء عن دورها الإنساني العالمي، فعم خيرها ومساعدتها دول العالم، وفي هذا العام كان لنا موعد مع مسبار الأمل، ومحطة براكة للطاقة النووية، ومشاريع «أدنوك» في أصول الطاقة. والقيادة الشجاعة لاتفاقيات السلام والتعايش في المنطقة العربية، لتكون الرسالة العالمية للإمارات باعتماد اليوم العالمي لوثيقة «الأخوة الإنسانية»، التي انطلقت من صرح الشيخ زايد في عاصمة الإنسانية أبوظبي خير ما تختم به هذه السنة، فيكون جوهر رسالة هذا العام التي نجحت الإمارات في اختبارها أن الدول المتقدمة والمتطورة والمتألقة هي التي تنجح في اختبار القيم الإنسانية وقت الأزمات، لأنها لا تتخلى عن الحياة: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً).
* كاتب إماراتي