ثمة احتمال بترشح الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب للانتخابات الرئاسية في عام 2024، أو أقلها ترشح أحد المقربين منه الذين يؤمنون بسياساته سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي. ولعل ما يؤكد ذلك ما جاء على لسان عضو مجلس الشيوخ «الجمهوري» البارز لينزي غراهام الذي أعلن أنه «سيشجع ترامب في حال خسر الطعون القضائية على الترشح مجدداً في 2024 لإبقاء حركته السياسية على قيد الحياة». وكذلك، ما صدر عن الصحافة الأميركية من أن ترامب نفسه ناقش مع بعض مستشاريه فكرة الترشح لانتخابات 2024.
لقد أثبتت مجموع ممارسات وسياسات ترامب الداخلية والخارجية نجاحه في بناء حركة سياسية لها وجود راهن ومستقبلي والدلائل على ذلك كثيرة. فهو إن ذهب فإرثه باقٍ بعد أن استند إلى قوى فاعلة في المجتمع الأميركي وأسس واقعاً سياسياً سيظل مؤثراً لسنوات طويلة. ومن أبرز هذه الدلائل:
أولاً: أزيد من 210 ملايين دولار جمعتها حملة ترامب الانتخابية واللجنة الوطنية للحزب الجمهوري منذ الانتخابات الرئاسية الشهر الماضي لتمويل الطعون القانونية ضد فوز المرشح «الديمقراطي» جو بايدن.. وهذا مبلغ كبير. والأهم أن ترامب حصد أكثر من 74 مليون صوت وهو أعلى رقم لمرشح خاسر في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية. 
ثانياً: جماهيرية ترامب هذه تؤشر إلى انقسام المجتمع الأميركي عمودياً، وإلى أن الحركة الشعبوية التي يمثلها الرئيس المنتهية ولايته ليست فقط متجذرة، بل مرغوبة ومحبوبة أيضاً ولها مريدون ومؤيدون لهم قناعاتهم التي يؤمنون بها، بغض النظر عن طبيعة أفكار هذه القوى سواء أكانت أفلنجيكية أم كانت من دعاة تفوق العرق الأبيض أم من حركة اقتناء الأسلحة التي تعاظمت قوتها بعد فوز ترامب عام 2016.. أم غيرها من حركات اليمين واليمين المتطرف.
ثالثاً: أضحى ترامب، منذ عام 2016، رئيس «الأمر الواقع» للحزب الجمهوري، رغم أنه ليس من قادته المخضرمين التاريخيين الذين اجتهدوا ومن ثم ترقوا إلى قمة الحزب. وقد ظهر تأثيره الخاص عندما فاز أول مرة في الانتخابات الداخلية للحزب في الانتخابات الرئاسية رغم عدم وجود رغبة حقيقية واسعة بذلك داخل الحزب. هذا في الماضي، أما الآن، وبعد أن اختطف جماهير الحزب، أصبح ترامب بشعبيته الكاسحة يتحكم أكثر في رقاب القادة الجمهوريين الذين لا يستطيعون معارضته؛ لأن القاعدة معه، وهو قادر على المساهمة في نجاحهم أولئك القادة وفي رسوبهم في انتخابات الكونغرس بمجلسيه (النواب والشيوخ).
رابعاً: جماهير «الترامبية» التي لا يزال هو قائدها، ترفض الاعتراف بالهزيمة في الانتخابات الرئاسية، بل أصبحت مرشحة لتكون قوة معطلة لمخططات «الديمقراطيين» بسبب قوتها وتأثيرها سواء في الكونغرس أو في الشارع. وستلعب «الترامبية» دورها في محاولة الانتقاص من شرعية الرئيس «الديمقراطي» المنتخب، زائداً تعميق الأزمة المجتمعية في الشارع السياسي والاجتماعي الأميركي.
خامساً: عمقت «الترامبية» الفروقات غير الواضحة تاريخياً بين برنامجي الحزبين الجمهوري والديمقراطي، بحيث وصلت الآن حد الانقسام الحاد، سواء فيما يتعلق بالقضايا الداخلية أو الخارجية. وربما يمكن القول، إنه تكرس بين الحزبين ليس فقط خلافات سياسية، وإنما كذلك خلافات أيديولوجية وفكرية يمكنها الحد من قدرات أي رئيس أميركي ديمقراطي لتطبيق برنامجه المختلف مع ممثلي الحزب الجمهوري، دون موافقتهم أو التسوية معهم، وأن «الترامبية» ستكون بالتالي قوة جذب معاكسة في السياسات الخارجية والداخلية للحزب الديمقراطي، وبخاصة إن حافظ الجمهوريون على أغلبيتهم في مجلس الشيوخ.
إن «الترامبية» إذن حقيقة سياسية ومجتمعية قائمة وباقية لسنوات، طالما بقيت ينابيعها موجودة، وفي الطليعة منها الخوف من فقدان الرجل الأبيض سيطرته على مقاليد الأمور، وبالذات إن بقيت أبواب الهجرة إلى الولايات المتحدة مفتوحة كما هي تاريخياً.