قبل بضعة أيام خفّضت الحكومة قيمة الدينار العراقي بنحو 20 في المئة مقابل الدولار، ما سيمكّنها من كسب دولارات أكثر من صادراتها النفطية المقومة بالدولار، والتي تغطي 90 في المئة من نفقات الدولة. الكاظمي دافع عن خفض قيمة الدينار – الذي يُعد الأول منذ الغزو الذي قادته أميركا في 2003 – عبر التأكيد على أنه «خطوة استباقية» هدفها السيطرة على التضخم. ولكن معظم العراقيين باتوا الآن يواجهون ارتفاعاً في مستوى المعيشة، لأن الكثير من الأشياء التي يستهلكونها، بما في ذلك المواد الغذائية الأساسية، تستورد كمشتريات مقومة بالدولار. 
وفضلاً عن ذلك، كانت هناك أخبار أكثر قتامة في مسودة الميزانية لسنة 2021 التي اعتمدتها هذا الأسبوع حكومة الكاظمي وتنتظر موافقة البرلمان. ولعل المقترح الذي من المؤكد أن يستأثر بالقدر الأكبر من الاهتمام، هو ذاك المتعلق بفرض ضريبة جديدة على مداخيل موظفي القطاع العام من المستويين العالي والمتوسط. وقد سعى رئيس الوزراء للتخفيف من وقع هذا القرار عبر خفض راتبه بـ40 في المئة، ورواتب الوزراء وأعضاء البرلمان بـ30 في المئة، ولكن السكان الذين يعتبرون كل الطبقة السياسية فاسدة من غير المحتمل أن يهدّئهم ذلك. 
ذلك أن موظفي القطاع العام يواجهون ضربة ثلاثية: فالحكومة التي تجد صعوبة في دفع رواتبهم قلّصت قيمة دخلهم، وتقترح الإبقاء على 15 في المئة من الضرائب بالنسبة للموظفين من المستويين المتوسط والعالي. هذا مع العلم أن الدولة هي أكبر مشغّل في البلاد، بنحو 4 ملايين شخص على لوائح الأجور الحكومية و3 ملايين متقاعد. ومليون شخص آخرين يستفيدون من إعانات الدولة. 
الغضب المتزايد في القطاع العام امتد إلى الميدان العام، الذي ازدحم بالمحتجين المعارضين للحكومة منذ أكثر من عام. 
المشكلة أن قدراً كبيراً من الغضب سينصب على رئيس الوزراء، تحديداً في الوقت الذي يحتاج فيه للدعم من الشارع من أجل تمرير مشاريع إصلاحات اقتصادية مهمة.
بيد أن الأسوأ ربما لم يأتِ بعد بالنسبة للكاظمي إذا واصلت أسعار النفط الانخفاض وسط مخاوف من أن تؤدي سلالات جديد لفيروس كورونا إلى إطالة أمد المعاناة الاقتصادية للوباء. فميزانية 2021 العراقية تتوقع سعر النفط عند 42 دولاراً للبرميل. وحتى إذا تركنا تأثيرات الوباء جانباً، فإنه قد يكون من الصعب الإبقاء على ذاك السعر في حال خفّف الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن العقوبات على إيران، ما سيسمح لها بزيادة حجم صادراتها من النفط العام المقبل. 
والواقع أن العراق، المعتمد اعتماداً كبيراً على صادرات النفط من أجل العائدات والمقيَّد بقيود «أوبك» التي تمنعه من تصدير كميات أكبر، بدأ يشعر بضغط انخفاض الأسعار منذ بعض الوقت. وفي رد فعل ينم عن اليأس وقلة الحيلة، تبحث الحكومة حالياً عن تسديد مسبق مقابل عقود طويلة الأمد. ولكنه مبلغ لن ينقذ الاقتصاد العراقي المتدهور في 2020: إذ تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أنه انكمش في عام 2020 هذا العام، وأن عجز الميزانية سيبلغ 22 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ومن جانبها، تتوقع الأمم المتحدة أن يتضاعف معدل الفقر في العراق، إلى 40 في المئة. 
ومع الاضطرابات السياسية المتوقعة، يمكن القول إن الآفاق بالنسبة 2021 تبدو أسوء. واعتباراً من 21 يناير، لن يبقى لدى الكاظمي ترامب ليشكّل مصدر إلهاء مشين.

*محلل سياسي أميركي 
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»