شهد الأميركيون مؤخراً حدثين منحاهم شعوراً جيداً على الرغم من الحصيلة اليومية الفظيعة من الوفيات جراء الوباء. الحدث الأول هو أن اللقاح الذي طوّرته شركة «فايزر» للصناعة الصيدلية في وقت قياسي حاز أخيراً على الموافقة والاعتماد من الجهات المختصة من أجل توزيعه. وفي الرابع عشر من ديسمبر، شرع أوائل العاملين في قطاع الصحة في تلقي جرعات من السائل الثمين. أما الحدث الثاني، فتمثل في مصادقة المجمع الانتخابي رسمياً، بعد جهود طويلة من قبل دونالد ترامب للطعن في شرعية الانتخابات الأميركية الأخيرة، على أن جو بايدن هو الفائز في الانتخابات وسيصبح الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة في العشرين من يناير 2021.
بيد أن وصول اللقاح وتوزيعه عبر الولايات المتحدة والعالم ليس سوى بداية جهد سريع ومكثف بشكل استثنائي من قبل العديد من البلدان والعديد من العلماء والشركات الخاصة لتسريع وصول عدد من اللقاحات الفعالة والمختلفة إلى الجمهور. عدد من الزعماء يعزى إليهم الفضل في هذا الجهد الدراماتيكي لإنتاج اللقاحات، ومنهم دونالد ترامب. لكن الاختبار الحقيقي الآن يتعلق بالمسائل اللوجستية والتحدي المتمثل في توزيع الملايين من جرعات اللقاح وإيصالها إلى آلاف المدن والبلدات والقرى والمراكز النائية عبر كل أرجاء البلاد. حجم المهمة فريد حقاً، ويقتضي في الولايات المتحدة تعاوناً وثيقاً بين القطاعين الخاص والعام، حيث تقوم شركات نقل جوي وخدمات توصيل أميركية مثل «فيديكس» و«يو بي إس» بنقل اللقاحات إلى المستشفيات ومراكز أخرى مثل سلاسل الصيدليات الوطنية التي ستتولى القيام بعمليات تلقيح الأفراد ضمن عملية لوجستية ضخمة لم يسبق أن جُربت أبداً من قبل. ولئن كان من المتوقع أن تظهر مشاكل بالتوازي مع الموافقة على مزيد من اللقاحات، فإن الجهد المبذول حتى الآن مبهر ويعزز الثقة بأنه من الممكن احتواء الوباء في الأخير.
الموجة الثانية من الأخبار السارة تتعلق بمصداقية النظام الانتخابي الأميركي وتأكيد المجمع الانتخابي الأميركي، أن جو بايدن هو الفائز في انتخابات 2020. وهو الحدث الذي دفع فلاديمير بوتين أخيراً إلى أن يبعث ببرقية تهنئة إلى بايدن، ما يجعل منه آخر زعيم كبير في العالم يقوم بذلك.
ما هو غير معروف حتى الآن هو كيف سيتصرف دونالد ترامب في شهره الأخير كرئيس؟ فهل سيستمر في إرسال تغريدات على تويتر تقول إن الانتخابات «سُرقت» وإنه الفائز الحقيقي فيها؟ وهل سيواصل استخدام بعض المناورات السياسية من أجل الطعن في النتيجة، ومن ذلك الإيعاز لأتباعه في الكونجرس بوصف الانتخابات بـ«المزورة» أثناء عملية التصويت الرسمية في الكونجرس لاعتماد نتيجة المجمع الانتخابي في السادس من يناير؟ الواقع أن مثل هذه المناورات محكوم عليها بالفشل، لكنها ستُظهر استمرار سيطرة ترامب على الحزب الجمهوري. ثم كحركة تحد أخيرة، هل سيرفض ترامب، خلافاً لما جرت عليه العادة، الالتقاء مع بايدن وعدم حضور يوم التنصيب في العشرين من يناير؟ يبدو هذا هو السيناريو الأرجح، لكن بعض المراقبين يعتقدون ويأملون أن يستطيع ترامب، مرة أخرى، مفاجأة الجميع.
مثل هذه «المفاجأة» من قبل ترامب تتمثل في أن يعترف أخيراً بهزيمته، ويرحب ببايدن في البيت الأبيض، ويرافقه إلى مقر الكونجرس من أجل عملية نقل السلطة الرسمية. ولو فعل ترامب هذه الأشياء، فلا شك أنه سيُكسبه حب وتقدير ملايين الأميركيين المحافظين عموماً والمنزعجين من سلوك ترامب .
ربما أن السيناريو الأخير هو السيناريو الذي تود ابنته إيفانكا وزوجها جارد كوشنر رؤيته يحدث، لكن الرأي الأكثر تشاؤماً يرى أن ترامب لن يستطيع أبداً الاعتراف بالهزيمة على اعتبار أن «خاسراً» معترِفاً بهزيمته هو شيء غير مقبول بالنسبة له بكل بساطة. وبالمقابل، فإن ما قد يدفعه لتغيير رأيه هو أن تعترف أغلبية من الجمهوريين في الكونجرس أخيراً بفوز بايدن. في 15 ديسمبر، فعل ميتش ماكونل ذلك، لكن كم من «الجمهوريين» الآخرين سيحذون حذوه؟


*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشيونال إنترست»