فيما يستعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمغادرة البيت الأبيض، تعْمَد إيران أكثر فأكثر إلى التحرر من التزاماتها وفق الاتفاق النووي. فبعد أن علّقت بعض تعهداتها في مايو 2019 بعد عام على القرار الأميركي بالانسحاب من الاتفاق، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 31 ديسمبر الماضي أن إيران أبلغتها اعتزامها إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 20 بالمئة، تطبيقاً لقانون تبناه مؤخراً البرلمان الإيراني سمي «الإجراءات الاستراتيجية لإلغاء العقوبات الأميركية»، يلزم هيئة الطاقة الذرية الإيرانية برفع تخصيب اليورانيوم حتى 20% وبكمية 120 كيلوغراماً سنوياً في محطة «فوردو» النووية المقامة تحت الأرض، وبإعادة العمل بمفاعل «أراك» للماء الثقيل، كما كان عليه الحال قبل الاتفاق النووي عام 2015. كما يفرض القانون الإيراني الجديد قيوداً على عمليات التفتيش داخل المنشآت النووية، لكنه في الوقت ذاته يقضي بأنه إذا عاد الجانب الآخر (الولايات المتحدة) إلى الالتزام بتعهداته وفقاً للاتفاق النووي، فإن الحكومة الإيرانية مكلفة بتقديم مشروع قرار جديد يقضي بالعودة إلى الالتزام ببنود الاتفاق النووي إلى البرلمان لإقراره.
وتمارس إيران سياسة الضغط القصوى في الملف النووي، على الرغم من إبداء الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن الاستعداد للعودة إلى الاتفاق النووي. إلا أن طهران استمرت في خرق الاتفاق حسب تقارير للوكالة الدولية للطاقة الذرِّية. وظهر جلياً بأن إيران تستعد لسيناريو عودة المفاوضات عبر مراكمة أوراق الضغط لتعزيز قدرتها على المساومة ورفع سقف مطالبها، وبأنها تسعى من خلال هذه الخطوات التصعيدية إلى الضغط على الإدارة الأميركية الجديدة والأطراف الأوروبية للعودة غير المشروطة إلى اتفاق عام 2015.
وبالنسبة للدول الأوروبية الشريكة في الاتفاق النووي (بريطانيا وفرنسا وألمانيا)، فهي وإن كانت متمسكة بالاتفاق، إلا أنها بدأت تعبِّر عن قلقها من سلوك إيران النووي. ففي تصريح لوزير الخارجية الألماني أكد فيه أن مجرد العودة إلى الاتفاق حول النووي الإيراني لم تعد كافية الآن، وأنه ينبغي توسيع النص ليشمل برامج الصواريخ البالستية الإيرانية، والدور الإيراني في المنطقة، مؤكداً أنه تفاهم بشأن هذه النقاط مع نظيريه الفرنسي والبريطاني.
ومع هذا الموقف المستجد للأطراف الأوروبية، من الواضح أنها أعادت تشكيل موقفها بناءً على التطورات التي استجدت منذ توقيع الاتفاق النووي عام 2015، فبدلاً من كبح الطموحات النووية التي من شأنها زعزعة الاستقرار في المنطقة كهدف رئيسي للاتفاق، استغلت إيران الاتفاق لتعزيز وجودها في المنطقة بالتوسع الإقليمي والإخلال بالأمن والاستقرار في المنطقة وتهديد أمن الملاحة وحركة التجارة عبر المضايق والممرات البحرية المهمة في المنطقة، والتوسع في دعم الميليشيات المسلحة في المنطقة وما ترتب عليه من تنامي للإرهاب في المنطقة حتى طالت تهديداته الأمنية أوروبا نفسها، إضافة إلى ما قامت به إيران من تعزيز لمنظومة الصواريخ الباليستية والتي لم يشملها الاتفاق النووي، لاسيما طويلة المدى منها.
من الواضح أنه لن تكون هناك عودة تلقائية إلى الاتفاق النووي مع تسلم إدارة الرئيس بايدن للسلطة، وأن الموقف الأوروبي اليوم يدعم الموقف الأميركي، وهو موقف يسعى لأن يأخذ بعين الاعتبار مخاوف ومصالح الأطراف الإقليمية في الخليج لضمان أمن واستقرار المنطقة، في أي مفاوضات مقبلة سواء أكانت هذه المنطقة طرفاً مباشراً، أم غير مباشر في المحادثات، لعدم تكرار سيناريو اتفاق 2015 الكارثي.