كان المشهد الأميركي صادماً وما حدث في واشنطن لم يكن ليتخيله أحد؛ أن يقوم بلطجية وغوغاء باقتحام مبنى الكونغرس ويهددوا نوابه وشيوخه ويفشِلوا جلسته، وهو المكان الذي يمثل الشعب الأميركي وديمقراطيته. هذا أمر يمكن تخيله في بلدان هشة، لكن ليس في أقوى دولة في العالم. واللافت أيضاً عجز قوات الأمن على تأمين هذا الصرح، وأن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام اقتحام المخربين، كما وصفهم الإعلام الأميركي، فهذا أمر محير. لكن عندما نعلم أن رأس الهرم الرئيس الأميركي هو مَن دفعهم، ربما تتضح الصورة أكثر. فبعد سلسلة تغريدات رفض فيها ترامب نتائج الانتخابات، وختمها بتشجيع أنصاره على التوجه لمبنى الكونغرس لعرقلة تصويت مجلسيه (الشيوخ والنواب) على التصديق على نتائج الانتخابات. 
ربما تصور ترامب أنه سيقوم بتغيير نظام الحكم وأن يغير نتائج الانتخابات، لكن ما فعله هو إنهاء لمستقبله السياسي، حتى أنني لا أتصور أن يرشحه الحزب الجمهوري مجدداً للانتخابات المقبلة بعد أربع سنوات، فهو فقد مؤيديه ومناصريه السياسيين، كما المعتدلين من أنصاره، وربما سيواجه مستقبلاً عسيراً من مؤسسات القضاء الأميركي، حيث لن يمر هذا التهديد والشرخ الذي سببه في المجتمع الأميركي مرور الكرام. وكمراقبين ومحللين للواقع السياسي، علينا التوقف وأخذ العبر، وأهمها أن لكل دولة تجربتها، وأن الأنظمة السياسية هدفها خدمة المواطن وتحقيق كرامة ورفاه الشعب بغض النظر عن طبيعة تلك الأنظمة، سواءً أكانت تسمي نفسها أنظمة ديمقراطية أم سوى ذلك. 
هناك نقاط عدة ينبغي توضيحها، مثل تلك المتعلقة بعلاقة الحاكم والمحكوم، فعندما تقوم العلاقة على أساس الثقة المتبادلة وإدراك حقيقة أن القائد يمثل الشعب وليس فئة محددة، فإن الجميع سيلتزم ويتحلى بالمسؤولية ويحترم المؤسسات العمومية التي هي في النهاية ملك للشعب، وهنا نجد أن ترامب جعل نفسه رئيساً لفئة، بل رفض حتى قوانين النظام السياسي الذي جلبه للسلطة وشكك بأساس العملية السياسية كاملة، وهنا جعل الأميركيين منقسمين. أيضاً لم يدرك ترامب أن الفوضى ليست الطريق إلى الحكم، وأنه لن يستطيع البقاء في السلطة من خلالها، فذلك لم يحدث في دول ضعيفة، فكيف به في دولة بحجم الولايات المتحدة. وإذا كان الهدف من وجود الأحزاب هو تمثيل الشعب، فترامب زعزع دور هذه الأحزاب التي أصبحت سبباً في الشقاق بين فئات الشعب. واللعبة التي أدارها ترامب سرعان ما انعكست عليه وأجهزت على تاريخه السياسي حديث النشأة، والذي لا يبدو أنه سيستمر بعد ما فعله من دور مدمر للبنية السياسية الأميركية التي أصبحت مثار تشكيك بعد حادثة اقتحام الكونغرس. 
أما بالنسبة لمستقبل ترامب السياسي فهو ضبابي حيث يطالب حالياً بعض «الجمهوريين» ومعظم «الديمقراطيين» بعزل الرئيس الذي لم يبق سوى أقل من أسبوعين من ولايته، عبر تفعيل المادة 25 من الدستور الأميركي، وهذا أمر وإن حدث سيكون سابقة في التاريخ الأميركي الحديث، حيث كانت هناك ثلاثة محاولات لعزل الرئيس لم يحالفها النجاح، ونائبه مايك بنس على خلاف معه، وحتى لو لم يتم العزل فلا شك أنه وبمجرد انتهاء فترة ترامب الرئاسية واستلام جو بايدن للسلطة، فإن ترامب تنتظره سلسلة من الاتهامات، ليس فقط في نيويورك وما يتعلق بالتهرب الضريبي وسوء استخدام السلطة.

*كاتب إماراتي