الملف النووي الإيراني هو أحد الملفات القياسية لإدارة الرئيس بايدن، ليس فقط من المنظور الأميركي إنما الأوروبي والصيني الروسي كذلك. ففي حين يضغط الأوروبيون باتجاه التعديل على الاتفاق القائم مخافة العودة للمربع الأول من جديد، نجد موسكو وبكين تدفعان باتجاه تضخيم ذلك التوجس لدى الأوروبيين.
مستشار الرئيس بايدن للأمن القومي، «جيك سوليفان» هو من يقوم بإجراء التحضيرات الأولية مع جميع الأطراف المعنية، بمن فيها الدول التي ستكون طرفاً مباشراً في عملية إعادة إطلاق التفاوض للمرة الأولى، وهما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ورغم اعتراض طهران بشكل قاطع قبولها بمثل ذلك، نجد باقي الأطراف متحفظة في الإعلان عن موقفها حيال ذلك حتى الآن. وإن كان لنا أن نستشف الموقف الروسي، فإن المؤتمر الصحفي المشترك لكل من وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، سمو الشيخ عبدالله بن زايد ونظيره الروسي سيرغي لافروف من موسكو في 14 ديسمبر 2020، كانت له دلالاته الخاصة من ذلك. 

قد لا ترغب موسكو في أن تكون على مسار تصادمي مع شركاء تطمح في تطوير علاقات استراتيجية معهم (المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة)، إلا إنها لا تملك التخلي عن حليفتها إيران لما يمثله ذلك الملف من أداة ضغط مباشرة على واشنطن. لذلك تسعى موسكو لتخليق توافقات من خلال قبولها تحجيم الدور الإيراني في سوريا ونسبياً في العراق، إلا أنها وبكين لن تقبلا العودة للمربع الأول في الملف النووي والتخلي عن كافة مكتسبات ذلك الاتفاق. في حين كان الموقف الإماراتي الذي عبر عنه سمو الشيخ عبدالله بن زايد في ذلك المؤتمر الصحفي واضحاً «نحن لن نقبل بعودة فكر التوسع الإمبراطوري من جديد للمنطقة»، في إشارة واضحة لجميع الأطراف بأن عنصر الندية في العلاقات مع الجميع سيكون المبدأ الحاكم للعلاقات المستقبلية من الدول القائدة للموقف الخليجي.
صاحبَ ذلك ما صدر عن مستشار الرئيس بايدن للأمن القومي، السيد «جيك سوليفان» خلال مقابلة الأسبوع الفائت مع قناة (سي. إن. إن) (برنامج جي بي اس/ الذي يقدمه الإعلامي فريد زكريا)، حيث قال «على إيران أن تدرك أن صندوق الاتفاق القديم لم يعد مقبولاً من الإدارة الجديدة، وعلى طهران أن تعي أن عليها أولاً إثبات التزامها بكافة بنود الاتفاقية السابقة، ذلك بالإضافة لقبولها بإدراج برنامجها الصاروخي وسلوكها السياسي ضمن ما يؤسس له من الاشتراطات اللازمة للعودة لمفاوضات جديدة، واتفاقية جديدة».
على مسارٍ موازٍ، نجد إدارة الرئيس بايدن، أو السيد سوليفان تحديداً يرسل برسالة أخرى لجميع الأطراف عبر تعين «بيرت ماكغورك»، مبعوثها الخاص للشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد سبق لـ «ماكغورك» أن شغل منصب المبعوث الأميركي لدى التحالف الدولي في محاربة «داعش» خلال إدارتي أوباما وترمب، منذ 2015 إلى حين استقالته في 2018 على خلفية قرار الرئيس ترامب بسحب القوات الأميركية من سوريا.

«ماكغورك» يحظى بدراية مستفيضة لواقع ضرورات إعادة الاستقرار لمنطقة الشرق الأوسط، ويبدو أن ذلك هو مدخل إدارة بايدن لإيجاد محفز التوازن المطلوب عند إعادة فتح ملف إيران النووي، وخصوصاً الاستفادة القصوى سياسياً في تخليق مقاربات أكثر قابلية للتوافق عليها بين الولايات المتحدة، وأوروبا والكتلة الخليجية الممثلة بالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
*كاتب بحريني