الشهر الماضي، بدا أن الصين أمّنت اتفاق استثمار مع الاتحاد الأوروبي. الاتفاق، الذي كان قيد التفاوض منذ وقت طويل وما زال يحتاج للتصديق عليه من قبل البرلمان الأوروبي، يأتي في وقت غريب. مسؤولو الاتحاد الأوروبي تجاهلوا طلبا في اللحظة الأخيرة من مساعد رفيع للرئيس المنتخب جو بايدن، الذي كان يأمل أن تتباطأ بروكسيل قليلا إلى حين إجراء مشاورات مع الإدارة الأميركية الجديدة أولاً والتي لم يكن يفصلها عن تولي السلطة سوى أقل من ثلاثة أسابيع. 
بدلا من ذلك، مُرر الاتفاق في اللحظات الأخيرة من 2020 في وقت تنتهي فيه فترة رئاسة ألمانيا الدورية للاتحاد الأوروبي. وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي يتعطش قطاع بلدها الصناعي، وخاصة صناعة السيارات، إلى الوصول إلى السوق الصينية، قوةً دافعةً وراء الاتفاق. 
«الاتفاق، إن صُدِّق عليه، من شأنه، نظرياً، أن يخفّف القيود على الشركات الأوروبية في السوق الصينية الخاضعة لمراقبة شديدة»، كما كتبت «إميلي روهالا» من «واشنطن بوست»، مضيفة أن «الشركات الأوروبية لن تعود مطالَبة بعقد مشاريع مشتركة مع شركاء صينيين، مثلا، كما أنها لن ترغَم على تقاسم التكنولوجيا». 
خبراء في الصين اعتبروا هذه التطورات فوزاً مهماً لبكين. وقال «وو شينبو»، مدير «مركز الدراسات الأميركية» بجامعة «فودان» في شنغهاي، لصحيفة «ساوث تشاينا مورنينج بوست»، وهي يومية يوجد مقرها في هونج كونج: «إن الاتفاق سيعمّق الروابط الاقتصادية بين الصين والاتحاد الأوروبي، على أن تكون المفاوضات حول اتفاق تجارة حرة الخطوةَ المقبلة المتوقعة»، مضيفا «كما أنه يحبط المخططَ الأميركي للعمل مع أوروبا وعزل الصين عن مستقبل العولمة». 
الزعماء الأوروبيون يؤكدون أنهم يؤمّنون لكتلتهم شروطا مماثلة لما تفاوضت حوله إدارة ترامب مع بكين ضمن اتفاق «المرحلة الأولى» التجاري الذي توصل إليه في بداية العام الماضي. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية «أورسولا فون دير لين» الأسبوع الماضي إن تعزيز التعاون مع بكين سيتيح لأوروبا القدرة على دعم «القيم الجوهرية».
بخصوص العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، يبدو توقيت الاتفاق مؤسفاً. ففي مقابلة مع فريد زكريا من قناة «سي. إن. إن» أذيعت الأحد، شدّد جايك سوليفان، الذي اختاره بايدن لمنصب مستشار البيت الأبيض للأمن القومي، على رغبة الإدارة الأميركية القادمة في الالتقاء مع حلفاء «ذوي أفكار مماثلة» وتجاوز مشاعر الارتياب التي زرعت خلال فترة ترامب في السلطة. 
وقال سوليفان: «إننا واثقون من أننا نستطيع تطوير أجندة مشتركة بخصوص القضايا التي نتقاسم بشأنها بواعث قلق إزاء الصين».
غير أن الاتفاق الذي أُعلن عنه يمثّل مؤشرا على واقع مختلف. إذ شدّد ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بشكل منفصل، على ضرورة أن تطوِّر أوروبا «استقلالها الاستراتيجي»، وتوقف اعتمادها طيلة أكثر من نصف قرن من الزمن على المظلة الأميركية. غير أنه في هذه الحالة، يقول مراقبون، ربما تُضعف أوروبا أي آفاق موجودة لجبهة موحدة حقيقية بخصوص الصين. 
«إن البلدان التي تفكر بشأن إلى أي حد يمكنها مواجهة الصين ستستنتج استنتاجاتها: أن أوروبا تتحدث عن القيم ولكن المصلحة الذاتية تتفوق على التضامن»، كما كتب «إدوراد لوكاس» في «ذا تايمز أوف لندن». وأضاف لوكاس قائلا: «إن الاتفاق يمثّل الهوة بين أهداف الاتحاد الأوروبي في السياسة الخارجية والواقع. المفوضية الأوروبية تزعم أنها «جيوسياسية». وفي 2019، اعتبرت الصينَ «منافسا استراتيجيا». غير أن تأثير الشركات الكبرى، وخاصة في ألمانيا، يتغلب على «بواعث القلق». 
ومن جانبه، حاجج «نوح باركن»، زميل صندوق مارشال الألماني في واشنطن، بأن ميركل رجحت كفة المصالح التجارية كألوية للشركات الكبرى في بلدها، وهي حريصة على إظهار أن الحوار الاستراتيجي مع الصين بخصوص عدة جبهات ممكن وضروري. 
وكتب «باركن» في مجلة «فورين بوليسي»: "في عالم بالأسود والأبيض تواجه فيه الديمقراطيات الليبرالية تحديا وجودياً، ما زالت ميركل ترى اللون الرمادي»، مضيفا أن «الاتفاق الذي توصلت إليه مؤخرا مع بلدين ليس لديهما سجل قوي في الديمقراطية هما: المجر وبولندا من أجل تفادي صدام حول ميزانية الاتحاد الأوروبي هو مثال آخر على هذه البراجماتية. 

*صحافي أميركي 
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»