مع بلوغ أطول حروب أميركا عقدين من الزمان هذا العام، سيكون أحد أوامر العمل الأولى للرئيس المنتخب جو بايدن فهم الطريق للمضي قدماً في أفغانستان -وبالتالي، خارطة الطريق لمهمة «الناتو» في البلاد.
لم تعد «طالبان» ولا القاعدة على رأس قائمة تهديدات الأمن القومي الأميركية بعد الآن، وكان مسؤولو «الناتو» واضحين بشأن اعتقادهم أن لديهم ما هو أهم للقيام به. في تقرير استراتيجية 2030 الجديد للتحالف، ورد ذكر أفغانستان ست مرات فقط في 40 صفحة.
تعد الحرب في أفغانستان مهمة كان يُعتقد ذات يوم أن نجاح أو فشل «الناتو» يتوقف عليها. في أيامها الأولى، وُصفت الحرب بأنها ليست مجرد ولادة جديدة للتحالف بعد الحرب الباردة، بل بالأحرى تطوره في القرن الحادي والعشرين.
لم يعد الأمر كذلك. وفقاً للتقرير، ستهيمن على الأجندة الأمنية الجديدة «القوى العظمى المتنافسة، حيث تسعى الدول الاستبدادية الحازمة التي لديها أجندات سياسة خارجية» -بعبارة أخرى، الصين وروسيا -«لتوسيع سلطاتها ونفوذها».
ومع ذلك، بينما يستعد حلف «الناتو» للعقد القادم، فإن التحديات التي يواجهها سيتم التعامل معها من خلال تحالف يتحول، للأفضل أو للأسوأ، من خلال تجربته في أفغانستان والدروس التي تعلمها هناك. والسؤال، وفقاً للمحللين، هو ما إذا كان سينتبه لهذه الدروس.
تعد مهمة «الناتو» في أفغانستان، والتي بدأت مع الغزو الأميركي في عام 2001، وهي المرة الأولى في التاريخ التي يستخدم فيها الحلف المادة الخامسة، التي تعلن أن الهجوم على أحدهم هو هجوم على الجميع. تألفت قوة المساعدة الأمنية الدولية (إيساف) بقيادة «الناتو» من حلفاء ينتمون إلى 50 دولة، بما في ذلك شركاء من خارج الحلف.
في السنوات الأولى من الحرب، كان النقد الأساسي هو أن بعض الحكومات المتحالفة استخدمت قيوداً تسمى «التحذيرات» لمنع قواتها من تنفيذ مهام ليلية، على سبيل المثال، أو من الانتشار في أجزاء معينة أكثر عنفاً من البلاد -ونتيجة لذلك، تحملت القوات الأميركية والقوات المقاتلة الأخرى عبئاً أكبر.
ومع ذلك، ساعد التعاون التحالف على النمو، كما يقول «إيان ليسر»، المدير التنفيذي لصندوق مارشال الألماني في بروكسل. وأضاف «هذه التحذيرات أعاقت بطريقة ما قدرة قوة إيساف، لكنها نجحت مع ذلك، وتعلمت الكثير من حيث عادات التعاون وقابلية التشغيل البيني التي كان يتم اختبارها كل يوم».
في الوقت نفسه، غيرت التجربة جيوش العديد من الدول الأعضاء في «الناتو». في ألمانيا، تم نشر حوالي 90,000 جندي في أفغانستان على مر السنين. يقول «ماركوس كايم»، زميل بارز في «المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية» في برلين: «لا يوجد جنرال ألماني اليوم ليس لديه خبرة عسكرية أو خبرة في القتال هناك». وينطبق الشيء نفسه على جيل من الجنود في إيطاليا وإسبانيا وهولندا وكندا.
ويرى «أنتوني كوردسمان»، محلل الدفاع في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن الدول الأعضاء اعتادت على التعاون في تبادل المعلومات الاستخباراتية وتخطيط المهام التي استفادت من بعض أنظمة التكنولوجيا الفائقة التي لم تكن العديد من الدول لتتعرض لها في وقت السلم، ما أدى إلى تقدير أكبر للحلفاء أنفسهم -بما في ذلك الشركاء من خارج «الناتو»، الذين شارك الكثير منهم، مثل أستراليا وكوريا الجنوبية، في حرب أفغانستان.
يقول كايم: «إذا فكرنا في أي مشاركة عسكرية لـ«الناتو» في المستقبل، فسنصورها ليس على أنها مشاركة من 30 دولة عضو في الحلف، ولكن كمنصة فضفاضة تتضمن منظمات أخرى وشركاء من خارج الناتو أيضاً. ويضيف «الناتو يحتاج إلى شركاء لأنه يدرك أنه لا يمكنه الابتعاد عن التغييرات السياسية العميقة التي نشهدها».

يؤكد تقرير الناتو لعام 2030 على جعل الكتلة «تحالفا سياسيا بشكل أكبر»، مما يعني جعله «مكانا تتم فيه مناقشة المخاوف الأمنية الأساسية من جميع الأنواع»، كما يقول ليسر. تعد «منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وخاصة الصين، هي مثال على ذلك، إنه إدراك بأن تعريف ما يؤثر على الأمن الأوروبي الأطلسي قد توسع بشكل هائل»/

هذا التركيز على المنافسة بين القوى العظمى، إلى جانب المستويات المتفاوتة من خيبة الأمل تجاه المهام التي لا تنتهي على نحو نظيف، يعني أن الرغبة في شن عمليات عسكرية مرة أخرى في أي وقت قريب ستختلف عبر التحالف.

يبدأ الأمر بمسألة ما إذا كان أعضاء «الناتو» يعتبرون أفغانستان نجاحاً عسكريا، اجتث بأسلحة لافتة للنظر تنظيم «القاعدة» لكنه لم يهزم طالبان، التي، على الرغم من كونها قوة حرب عصابات فعالة، لم تكن أبداً تهديداً متطوراً للغاية. وعلى صعيد بناء الأمة، يقول كوردسمان: «لقد أنفقتم مبلغاً لا يُصدق من المال لتحقيق ما هو قليل بشكل ملحوظ».

ومع ذلك، فإن تعريف النجاح نفسه يعكس الثقافات الاستراتيجية المختلفة داخل «الناتو». في حين أن أميركا غير مرتاحة بشدة لمفهوم عدم الفوز، يقول المحللون إنه بالنسبة للعديد من حلفاء الناتو، كان ذلك كافياً لإظهار التضامن وتقديم مساهمة.
على نطاق أوسع، كان يُنظر إلى أفغانستان على أنها «الثمن الذي يجب دفعه، والشيء الصحيح الذي يجب القيام به لحلف الناتو مقابل الطمأنينة التي تحصل عليها تلك الدول من التحالف بشأن التهديدات الوجودية الأكبر التي تواجهها»، كما يقول ليسر.

وحتى مع خروج معظم الأعضاء من تجربتهم الأفغانية «أكثر حذرا بشأن تصدير الديمقراطية»، كما يقر تقرير عام 2030، فإنه يجادل أيضاً بأنه مع ذلك من «الحيوي» ألا يسمح الناتو «بالتآكل» الديمقراطي.
ولكي يحدث هذا، يجب على «الناتو» أن يأخذ بعض الدروس الأساسية من أفغانستان، بما في ذلك الآثار المدمرة للفساد -والطرق التي قد تشجعه بها الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو عن غير قصد، كما يقول الكولونيل المتقاعد "جون أجوجليا"، المدير السابق لكل من معهد عمليات حفظ السلام والاستقرار التابع للجيش الأميركي، ومركز التدريب على مكافحة التمرد في أفغانستان.
وفي مجلة «الناتو» كتبت «كارولينا ماكلاشلان»، مسؤولة السياسة بمنظمة الشفافية الدولية في لندن: (جعلت مليارات الدولارات الغربية المتدفقة على أفغانستان بعد الغزو الكسب غير المشروع والاحتيال أمراً سهلاً وشائعاً. كما قوض الفساد «شرعية» الحكومة الأفغانية، وقلل من فعاليتها، وخلق مصدر استياء لسكانها، ما دفع بدوره إلى تجنيد طالبان، وجعل من «الأصعب بكثير» على الناتو تحقيق أهداف مهمته الرئيسة «من الأمن إلى الحكم الفعال» ). 

آن مورلين جروب
* صحفية أميركية متخصصة في قضايا «الناتو» والاتحاد الأوروبي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»