تبدو الولايات المتحدة الأميركية في الساعات القليلة القادمة أمام اختبار مصيري، يمكننا أن نطلق عليه، اختبار الحرية والمسؤولية، ذلك أن ما تجمع فوق سماوات أميركا في العام الأخير من صراعات وأزمات، بعضها قدري كالجائحة وتبعاتها الاقتصادية، وبعضها الآخر صراع إرادات تمثل في أزمة انتخابات الرئاسة الأميركية، وصولاً إلى المشهد غير المألوف أو المعروف ولا حتى الموصوف، والخاص بالاعتداء على الكونجرس، نقول إن ذلك كله كان كفيلاً بأن يجرف الأميركيين عن طريق صواب الحرية وقدر المسؤولية.
في الساعات المقبلة، والتي تتهيأ فيها العاصمة الأميركية واشنطن، المجروحة بجرح غائر بعد نهار الأربعاء الدامي، في السادس من يناير الجاري، تبدو البلاد في مواجهة الكثير من علامات الاستفهام التي تتطلب جواباً عن الحرية الشخصية، وهل هي حرية من غير مسؤولية أم لا؟.
عرفت الولايات المتحدة منذ البدايات الأولى بأنها أرض الحرية، وفي المقدمة منها حرية التعبير عن الرأي، وعدم الخوف من المجاهرة بالقناعات الشخصية، غير أن علامة الاستفهام المثيرة للجدل في الأيام الأخيرة: «إلى أي حد، أو مد يمكن أن تكون تلك الحرية ضارة، لا سيما إذا تقاطعت مع مصلحة الدولة العليا، وفي المقدمة منها توفير الأمن والأمان لعموم الأميركيين، وضمان الانتقال السلمي للسلطة في البلاد، ومجابهة مخططات التقسيم والانشقاق.
منذ العام 1814 حين هاجم الجنود الإنجليز مبنى الكونجرس، لم تعرف الحياة السياسية الأميركية مثل هذا العنف، والذي هز أركان الحياة الديمقراطية الأميركية هزاً عنيفاً، ما سيترك ذكرى أليمة عند الأجيال القادمة.
ما تقدم قد يكون مشهداً واحداً من ضمن مشاهد مخيفة رابضة خلف الباب تتشوق لأن تتسيد على الأميركيين، وبخاصة في ظل دعوات جماعات سياسية وحزبية في مختلف الولايات لجعل الأيام المتبقية قبل يوم تنصيب الرئيس بايدن أي الأربعاء القادم، أياماً دموية، وهو ما تشير إليه تصريحات المباحث الفيدرالية، سواء تعلق الأمر بعنف شديد في الولايات الخمسين عن بكرة أبيها، أو ما يخص واشنطن العاصمة، والتي تحولت إلى ما يشبه الثكنات العسكرية، وفي حراسة نحو خمسة عشر ألفاً من رجال الشرطة والحرس الوطني، واستعداد كامل من قوات الجيش للتدخل.
الذين قُدّر لهم مطالعة ما يمكن أن نسميه البيان رقم واحد لهيئة أركان الجيش الأميركي عن الجهوزية للدفاع عن الحياة الآمنة في الداخل الأميركي، يدرك أن هناك مخاطر جسيمة تتخلق في رحم الدولة – الإمبراطورية الاستثنائية، وأن المشهد يقتضي حكمة عالية جداً للمرور من الأزمة بسلام، وقد فرضت من أجل ذلك حالة الطوارئ في العاصمة.
والشاهد أن القيادات السياسية الأميركية لم يعد أمامها غير طريقين لا ثالث لهما، الأول هو محاولة تهدئة المشاعر الملتهبة، ومحاولة التوفيق لا التفريق في دولة تكاد تحدث الشروخات الاجتماعية فيها انهيارات رأسية وافقية على صعيد النسيج المجتمعي، أو تمضي في طريق المكايدات السياسية والمطاردات، التي شبهها الرئيس ترامب، وكأنها من فصول أوروبا القديمة في ملاحقة الساحرات.
في هذا الإطار يمكن القطع بأن محاولات رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي عزل الرئيس ترامب، وهي تعلم أنها ستخفق، قد غادرتها روح الحكمة، فالكراهية لا تفيد، ومد الجسور خير من بناء الجدران، حتى وإن ارتكب الرئيس ترامب غلطة قاتلة مؤخراً.
ما يحدث في أميركا صراع هويات وقوميات، شوفينيات ودوجمائيات، وإنْ لم يتنبه أرباب البيت الأميركي، فإن الزلزال قادم لا محالة، ومن سوء الطالع فإنه سيصيب العالم برمته. الأميركيون مدعوون للنجاح في اختبار الموازنة بين الحرية والمسؤولية.
*كاتب مصري