طور العالم خلال نصف القرن الماضي العديد من النماذج الاقتصادية التي نجح الكثير منها في الدفع بعجلة النمو والتنمية الاقتصادية والازدهار في العديد من مناطق العالم ودوله المختلفة، وتنوعت هذه النماذج اقتصادياً وأيديولوجياً، فبعضها اتخذ نمط التخطيط المركزي، وبعضها اعتمد نهج الاقتصاد الليبرالي الحر، وبعضها خلط بين النموذجين، ولكنها في معظمها ركزت على محاولة ضمان نمط مستدام للتنمية الاقتصادية من خلال الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة، والاستثمار في الموارد البشرية ورفع كفاءتها، بالتوازي مع توظيف التكنولوجيات المتطورة لرفع الإنتاجية والكفاءة الاقتصادية، وغيرها من الأمور التي حكمت النماذج الاقتصادية التقليدية. 
وبينما لا تزال بعض البلدان تكافح من أجل تطوير وابتكار نماذج تنموية مناسبة لظروفها الخاصة وقادرة على تحقيق الازدهار المطلوب لجميع سكانها في المستقبل، يتزايد الجدل حول مدى قدرة النماذج الاقتصادية التقليدية على التكيف والتأقلم مع التطورات، التي تشهدها البشرية حالياً، وتلك التي يمكن أن تشهدها مستقبلاً، ولاسيما في ضوء التحولات التي تفرزها الثورة الصناعية الرابعة والتقنيات المتقدمة والثورة الحادثة في مجالات الذكاء الاصطناعي، والتي يتوقع أن تغير المفاهيم النظرية والأسس التي بُنيت عليها نظريات ونماذج التنمية الاقتصادية في السابق.
كما أظهرت التداعيات الاقتصادية الضخمة التي خلفتها أزمة جائحة «كوفيد-19» على العالم كله أن كثيراً من النماذج التنموية القائمة لم تعد ملائمة للتعامل مع التحولات الحادثة في البيئة الدولية، فهذه الأزمة الصحية التي تسببت في خلق أكبر أزمة اقتصادية يشهدها العالم منذ ثلاثينيات القرن الماضي، سلطت الضوء على حجم التحديات التي تواجه النماذج الاقتصادية التقليدية، بما في ذلك نموذج الاقتصاد المعولم، والنماذج القائمة على التصدير، ولا سيما مع إعطاء كثير من الدول الأولوية لتلبية الطلب المحلي، والتأكيد على مبدأ «الإنتاج والاستهلاك المحليين»، في ضوء المخاطر التي أظهرتها الأزمة في نمط الاعتماد على سلاسل التوريد الخارجية. كما أكدت هذه الأزمة الصحية أهمية التكنولوجيات المتطورة وتطبيقاتها المختلفة في التعامل ليس فقط مع الأزمات الاقتصادية، ولكن أيضاً الأزمات الصحية والأمنية، وهو ما يعني أن الاتجاه العالمي للاستثمار في هذه التطبيقات سيشهد طفرات كبيرة مستقبلاً.
إن المؤشرات القائمة حالياً، وسلسلة الأزمات الاقتصادية التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة، تؤكد أن النماذج التقليدية لنمو الاقتصاد العالمي لن تكون مجدية للتعامل مع المستقبل، وأن هناك العديد من النماذج الجديدة التي سنشهدها في العقود المقبلة، ومن هنا، وفي إطار دوره في استشراف المستقبل، تأتي أهمية الندوة الأولى التي سينظمها مركز تريندز للبحوث والاستشارات ضمن منتدى «الاتجاهات المستقبلية: العالم في عام 2071»، والتي ستعقد مساء يوم الثلاثاء القادم تحت عنوان: «نماذج النمو الاقتصادي الجديدة في الخمسين عاماً المقبلة» بمشاركة نخبة من الخبراء العالميين، والتي تهدف إلى استشراف آفاق النمو الاقتصادي العالمي، والنماذج الجديدة للنمو الاقتصادي في المستقبل، وهو ما يصب في دعم محاور «مئوية الإمارات 2071» ورؤيتها التنموية المستقبلية. 
*مركز تريندز للبحوث والاستشارات