في الصباح الباكر من يوم العشرين من يناير 2021، غادر دونالد ترامب البيت الأبيض لآخر مرة كرئيس للولايات المتحدة على متن طائرة هيلوكبتر نقلته إلى قاعدة آندروز الجوية العسكرية في ميريلاند، حيث وجد في وداعه بضع مئات من الأنصار، لم يكن من بينهم أي أعضاء كبار في الحزب الجمهوري. وألقى ترامب خطاب وداع قصيراً، ومما قال فيه: «إننا سنعود بشكل من الأشكال». ثم غادر إلى ولاية فلوريدا على متن الطائرة الرئاسية «إير فورس وان». وفي ما عدا رسالة ترحيب تركها لبايدن في البيت الأبيض، فإن قرار ترامب التخلف عن حضور تنصيب الرئيس المنتخب كان غير مسبوق، وعكَس مشاعر العداء العميقة التي يكنّها لـ«الديمقراطيين» وللعديد من المسؤولين «الجمهوريين» الذين يعتقد أنهم سرقوا الانتخابات منه. 
وفي مبنى الكونجرس، اجتمعت شخصيات مرموقة من بينها نائب الرئيس مايك بينس من أجل حضور مراسم أداء جو بايدن وكمالا هاريس القَسم. هذان الأخيران أصبحا رئيساً ونائبةً للرئيس بشكل رسمي في الساعة 12:00 ظهراً. وعكَس الخطاب الذي ألقاه بايدن في حفل التنصيب وعده بجلب شعور جديد بالوحدة إلى بلد منقسم على نفسه بحدة. كما طلب من الحضور الوقوف دقيقة صمت حداداً على الـ400 ألف أميركي الذين ماتوا جراء وباء «كوفيد-19». وتعهد بالعمل من أجل كل الأميركيين وبالتركيز على ثلاثة تحديات استثنائية تواجه إدارته هي: الاقتصاد، والوباء، والانقسامات العرقية والاقتصادية داخل المجتمع. وقال: إن مهمته هي «توحيد الأميركيين وتوحيد بلدنا»، ثم طلب من كل أميركي «دعم هذه القضية». وأكد بايدن أنه يعتزم عكس بعض سياسات عهد ترامب بشكل فوري، وخاصة تلك المتعلقة بالهجرة، وتغير المناخ، والرعاية الصحية، وتحالفات الولايات المتحدة الخارجية. ويتوقع أن يكون قادراً على معالجة بعض هذه القضايا من خلال إصدار أوامر تنفيذية لا تتطلب موافقة تشريعية. غير أنه من أجل إنقاذ الاقتصاد من مزيد من التدهور ومعالجة المخاطر المالية التي تواجه كثيراً من الأسر الأميركية، سيحتاج إلى دعم الكونجرس. والحال أن «الديمقراطيين» يمتلكون أغلبية بسيطة في مجلس النواب، ولديهم سيطرة بحكم الواقع على مجلس الشيوخ بالنظر إلى أن كل حزب لديه 50 سيناتوراً، لكن في حالة الضرورة سيكون لدى نائبة الرئيس هاريس صوت يكسر حالة التعادل. هذه الهوامش الضيقة تعني أنه لكي يمر أي تشريع جدي عبر الكونجرس سيتعين أن يكون هناك اتفاق بين الحزبين. غير أنه بخصوص بعض المواضيع، مثل إعادة بناء البنية التحتية القديمة المتهالكة في البلاد، هناك احتمال كبير لتحقيق التعاون نظراً لأن كل ولايات الاتحاد لديها مشاريع معلَّقة في حاجة لتمويل، كما أن هذا يمكن أن يكون عاملاً مهماً في تحسين التوظيف المحلي. 
وبالمقابل، من المتوقع أن تكون لدى بايدن مرونة أكبر في ما يتعلق بالمسائل المتصلة بالسياسة الخارجية. فمهمته الأولى ستتمثل في طمأنة حلفاء الولايات المتحدة التقليديين في أوروبا والأميركيتين وآسيا والشرق الأوسط، إلى أن أيام «أميركا أولاً» والسياسة الأحادية الأميركية، وهما السياستان اللتان كان يشدد عليهما ترامب، قد ولّت. وهذا يعني أن السياسة الأميركية المقبلة في ما يتعلق بالتجارة ومراقبة الأسلحة والإرهاب وتغير المناخ وحقوق الإنسان سيتم التنسيق بشأنها بشكل أكبر مع الحلفاء. غير أنه في ما يتعلق ببعض المواضيع، من المتوقع أن يواصل بايدن سياسات ترامب. وعلى سبيل المثال، فمن المتوقع أن يواصل حث مزيد من البلدان في الشرق الأوسط قبول الانضمام إلى «الاتفاق الإبراهيمي» الذي أفضى إلى إقامة علاقات دبلوماسية بين الإمارات والبحرين وإسرائيل. ولعل الأصعب من ذلك هو الجهود الأميركية الرامية إلى صياغة أرضية مشتركة مع الحلفاء بشأن كيفية تدبير العلاقات مع روسيا والصين وكوريا الشمالية. 
وبشكل عام، يواجه بايدن واحدةً من أصعب المهام التي يواجهها أي رئيس أميركي جديد، وهي مهمة شبيهة بالأزمات التي كانت في انتظار كل من أبراهام لينكولن وفرانكلين روزفيلت إلى البيت الأبيض. وفضلاً عن ذلك، يُعد بايدن أكبر أميركي سناً يصبح رئيساً. وسيتطلب الأمر كل المهارات التي اكتسبها وصقلها على مدى قرابة 50 عاماً من الخدمة العامة من أجل تحقيق أهدافه الأساسية. وإذا كان أي أحد لم يعط بايدن فرصةً ليصبح المرشح «الديمقراطي» في عام 2019 ولكي يتحدى ترامب في الانتخابات الرئاسية، فإن مثابرته وحسن حظه أتيا أكلهما. ولا يسعه الآن إلا أن يأمل تواصل هذا المسار الناجح.