يعمل الاقتصاد الأميركي على الهجرة، حيث يدعم المهاجرون الصناعات الحيوية، ويدفعون مبالغ ضخمة كضرائب، ويعتنون بالأطفال وكبار السن، ويحافظون على الابتكار الأميركي، وربما الأهم من ذلك أنهم جعلوا البلاد وجهةً أكثر جاذبية للاستثمار متعدد الجنسيات.
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، كانت سياسة الرئيس دونالد ترامب، وأزمة وباء «كوفيد-19»، ونهاية موجة الهجرة المكسيكية الكبيرة.. السبب في الحد من الهجرة بشكل واضح. ومع استمرار تدهور الاقتصاد، وانتشار الوباء، وصورة الولايات المتحدة المشوهة في أعين معظم العالم.. سيواجه المنتخب الجديد جو بايدن معركة شاقة لاستعادة التدفقات السكانية إلى مستوى جيد، لكن ما تزال هناك بعض الإجراءات المهمة التي يمكنه اتخاذها.
لا شك أن القضايا الإنسانية البارزة لطالبي اللجوء واللاجئين ومراكز الاحتجاز التابعة لمركز الهجرة والجمارك، ستحتل جزءاً كبيراً من الجدل حول الهجرة، كما يتضح من التركيز على اختيار بايدن لأخصائي الهجرة «أليخاندرو مايوركاس» لرئاسة وزارة الأمن الداخلي، لكن في حين أن هذه قضايا مهمة، لا يستطيع بايدن نسيان أنواع أخرى من الهجرة، وخاصة تدفق الباحثين والطلاب الأجانب.
في يونيو الماضي، أصدر ترامب أمراً تنفيذياً بوقف التأشيرات الجديدة للباحثين الأجانب. كان هذا الإجراء في غاية الغرابة في وقت كانت فيه الولايات المتحدة تتسابق لتطوير لقاحات وعلاجات جديدة لمرض وبائي جديد. لكنها أيضاً استراتيجية اقتصادية سيئة للغاية على المدى الطويل.
إذا كانت الصين هي ورشة العالم، فإن الولايات المتحدة هي مجمع أبحاثها. يعتمد تركيز الصناعات عالية القيمة في أميركا بشكل حاسم على وجود أفضل الجامعات البحثية، والتي بدورها تعتمد بشكل أساسي على جذب أفضل وألمع العلماء من جميع أنحاء العالم. تماماً كما يحتاج وادي السيليكون إلى المهندسين للانتقال من مدن أخرى، وكما لا تستطيع هيوستن تدريب جميع العاملين في صناعة الطاقة محلياً، تحتاج الولايات المتحدة، التي تضم أقل من 5% من سكان العالم، إلى جذب الباحثين من الخارج للحفاظ على موقعها الأول كمركز للعلوم. وكدليل واضح على هذه الحقيقة، لاحظ أن المؤسس المشارك ورئيس مجلس إدارة شركة «مودرنا» الأميركية، التي يَعِد لقاحها بإنقاذ ملايين الأميركيين من «كوفيد-19»، هو لبناني المولد.
لذا يتعين على بايدن أن يلغي فوراً الأمر الذي يحظر دخول الباحثين الأجانب. كما يجب على إدارته أن تتصرف بحزم لإلغاء جميع الحواجز التنظيمية والإدارية التي أقامتها إدارة ترامب على مر السنين، والتي تجعل من الصعب على الباحثين الأجانب العيش والعمل في الولايات المتحدة. وتشمل هذه العوائق صعوبة الحصول على البطاقات الخضراء، ومنع أزواج حاملي التأشيرات من العمل.
كثير من الباحثين الأجانب ليسوا موظفين في الواقع، بل هم طلاب. في النظام البيئي البحثي المختلط بين القطاعين العام والخاص اليوم، يكون طلاب الدراسات العليا بمثابة العمود الفقري للعديد من المختبرات، وغالباً ما يصبحون مهاجرين دائمين بعد التخرج. وفي العديد من مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، أصبح الطلاب الخريجون الأجانب لا غنى عنهم.
بذل ترامب جهوداً قوية ومتضافرة لردع الطلاب الأجانب عن الدراسة في الولايات المتحدة، واتخذ الكثير من ذلك شكْلَ خطاب أو تغييرات إدارية طفيفة أو قيود مخططة لم يتم تنفيذها بعد، لكنها تسبب تأثيراً كبيراً. تضافرت هذه الإجراءات والتهديدات الصغيرة بمرور الوقت، ما تسبب في انخفاض نسبة الالتحاق الدولي.
يتعين على بايدن عكس كل هذه التغييرات. وبالإضافة إلى تسهيل حصول الطلاب الأجانب على التأشيرات والاحتفاظ بها، والعمل لفترة أطول بعد التخرج، يمكن لبايدن استخدام الخطاب القوي والصريح لتوضيح أن الولايات المتحدة ترحب بالطلاب الأجانب. هذا لن يساعد فقط في الحفاظ على هيمنة الولايات المتحدة في العلوم والتكنولوجيا، بل سيساعد أيضاً اقتصادات المدن الجامعية، التي تعتمد على الأموال الخارجية التي يضخها الطلاب الجامعيون في الشركات المحلية.
وبالإضافة إلى الباحثين والطلاب، يمكن لبايدن أن يحقق الكثير من المنافع للولايات المتحدة من خلال جعل الحصول على البطاقة الخضراء أسهل وأسرع لجميع المهاجرين. وفي حين أن العلم له أهمية قصوى، فإن المهاجرين بشكل عام يسهمون بشكل كبير في زيادة الإيرادات الضريبية.
السبب الآخر في أهمية المهاجرين هو أن معظمهم أفراد ماهرون، حتى منهم أولئك الذين لم يحصلوا على تعليم جامعي. ويعد الانتقال إلى بلد آخر للعمل في حد ذاته مؤشراً على الجرأة والمخاطرة وريادة الأعمال. وقد أظهرت الأوراق البحثية الأخيرة التي أعدها الاقتصادي «إد لازير» وآخرون أنه على الرغم من أن نظام الهجرة يستند رسمياً إلى لم شمل الأسر، فإنه يميل إلى اختيار الأشخاص الناجحين اقتصادياً.
إن تسهيل الحصول على البطاقات الخضراء والتأشيرات قد يجلب لبايدن بعض ردود الفعل العنيفة من أولئك الذين يعتقدون أن المهاجرين يتنافسون في المقام الأول مع الأميركيين المولودين في البلاد على الوظائف. الحقيقة أن الهجرة التي تتم من خلال القنوات القانونية تميل إلى خلق وظائف أكثر مما تشغله، ستواجه صعوبة في اختراق المفاهيم الخاطئة التي تكوّنت من خلال الخطاب المناهض للمهاجرين.
لكن حتى لو كان الأمر صعباً من الناحية السياسية، يحتاج بايدن إلى إعطاء الباحثين الأجانب والطلاب أولوية، لأن الولايات المتحدة بحاجة إلى هؤلاء العمال، ولم يغيّر الوباء ولا عهد ترامب هذه الحقيقة.

*أستاذ المالية المساعد بجامعة ستوني بروك
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرزفس»