على درب التعافي من هذه الجائحة التي جعلت العالم في حالة كرّ وفرّ، تبرز الحاجة أكثر إلى شمس العلوم بحلتها الذهبية، لترسل أشعتها إلى البشرية تبشرها بفيض الأمل الذي يفعم الحياة الدنيا بعودة تكون فيها الإنسانية أكثر إدراكاً ودراية واستباقية لمواطن جودة حياتها، بعد أن استمدت من تجاربها المختلفة أدوات من الخبرة بيّناتٍ، وآياتٍ من المعرفة واضحات، تجعل إنسان هذا العصر أكثر سعادة وطمأنينة، وأمنًا وصحة وسلامة وكرامة. 
الوتيرة التراكمية من المخترعات والاكتشافات مدعوّة اليوم إلى تقديم النفع للبشر، ولا أظن أن المعرفة قد تخبو أو تتراجع، فالعلم على مرّ التأريخ لم يدر ظهره يومًا للإنسان، فكلما استنجد به الإنسان وأقبل عليه أمَدَّهُ بكل ما أراد منه، ولكن عندما يصد الإنسان عنه ويستنكف، أو يُعلن العداوة تجاهه تكون المشكلة العويصة والداء العضال، فخصومة العلم من أعظم الأدواء التي لا دواء لها.
ولا أخالني عائداً إلى ماضي التاريخ لأستذكر بعض المواقف في ذلك، خصوصاً إذا استذكرنا أن الأطباء والعلماء قد تغلبوا بإذن ربهم على أمراض أعتى وأقوى أعلنت عداوتها للبشرية، فكان العلم لها بالمرصاد، ويمكن أن نعتبر هنا بقراءة قصص النجاح في مواجهة وباء الجدري مثلاً، وشلل الأطفال، والحصبة، والملاريا... وغيرها، فتلك أوبئة قد هاجمت البشرية بغتة، وكشرت لها عن أنيابها، ومدت لها بأسباب المنايا والبلايا، ليتأهب العلم ويقابلها وينقذ الإنسان من بين فكيها عن طريق اللقاحات والعلاج والأدوية.
وها نحن مع وباء «كوفيد 19» كنا على موعد من العلم ومنجزاته، ففي فترة قصيرة وبدعم من الدول التي تشعر بالمسؤولية الإنسانية، وبتمويل سخي منها، ها هي تلك الجهود تكللت بالنجاح، وها هي البشائر تُشرق علينا من كل مكان، وها نحن نرى الأفراد شباباً وشيباً، يتلقون لقاح هذا الوباء فرحين مسرورين، شاكرين هذا الصنيع، مستعظمين هذا الإنجاز، واضعين ذلك الحمل الثقيل الذي أرهقهم، من الخوف والجزع والذعر الذي قض مضاجعهم، مستعيدين السكينة إلى قلوبهم، ومستبشرين بمستقبل مضيء لهم ولعائلاتهم، حامدين ربهم تبارك وتعالى على ما أنعم وأعطى.
ولم تكن السواعد الإماراتية الوطنية لتغيب عن هذا المشهد العالمي، فهي حاضرة بامتياز كما هي عادتها، فكانت دولة الإمارات من أوائل الدول التي أسهمت في إنجاز اللقاح المضاد لـ«كوفيد 19» والترخيص له، ووجهت الدعوة لجميع من يقيم على أرضها من المواطنين والمقيمين للحصول عليه، في منظومة من الجهود الوطنية المتكاملة والمتفردة والبديعة، تجعل المتأمل فيها يستشعر قيمة تكريم الإنسان في هذه الدولة المباركة، وقد تهافت الناس لأخذ اللقاح في استجابة عظيمة، حتى بلغت الدولة بذلك مبلغاً عالمياً، وحققت المرتبة الثانية في توزيع الجرعات، وإنها لمناسبة لتوجيه كلمة الشكر والتقدير لدولتنا وقيادتنا، فنبارك لهم هذا النجاح الطبي والإنساني المبهر، وندعو الله عز وجل أن يجعل هذه الجهود متقبلة مرضية، وفي صالح كل البشرية. 
ومع تلك الجهود الاستثنائية من الدولة، لا بد من تعاون الأفراد والوعي والمسؤولية، واتباع التعليمات، فهذه الجائحة لا تهدد فرداً بذاته ومفرده، بل تنتشر على نطاق واسع لتقضي على الجميع، ومن هنا فتلقي اللقاح -وإن كان اختياريّاً- إلا أنه يمثل الحياة للبشرية، وهو أمل طال انتظاره، وهو تحصين للمجتمع والوطن وجميع أفراده، وهو بداية عودة الحياة إلى طبيعتها. فالوقت وقت الثقة والتعاون، وليس وقت التردد والخوف والتشكيك والإشاعات، فعلينا أن ندرك هذه النعمة، ونعلم أن الكثيرين في هذه البسيطة يتمنون أن يحصل لهم جزء مما حصل لنا مما حققته لنا دولتنا، فما علينا إلا المبادرة والعزيمة، (فَإِذَا ‌عَزَمْتَ ‌فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ)..
وقد أصدر «مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي» مبكراً في موضوع أخذ اللقاحات فتوى حضارية قيمة، تؤدي دور التوعية الدينية والإنسانية والأخلاقية في هذا الموضوع، ودعا للتعاون مع الحكومات في إنجاح حملات التطعيم، وذلك انطلاقاً من النظر إلى مقاصد الشريعة، وضروريات الأديان التي تحرص على حفظ الأنفس من الهلاك والتلف، والوقاية من الأمراض، ودفع المرض قبل وقوعه عند الخوف منه، رفعًا للمشاق، وتحرزاً من الأضرار المتوقعة، وتوقياً مما غلب على الظن أذيته، ويتحقق بذلك أصل درء المفاسد وجلب المصالح، وقد ذكر العلماء أن التداوي تعتريه الأحكام التكليفية الخمسة، بسبب الأحوال والظروف والوقائع، فقد يكون التداوي واجباً سواء على الأفراد أو على المجتمعات، إذا كان في تركه خطر على النفوس، وخاصة مع انتشار الأمراض الوبائية المعدية، ففي مثل هذه الحالات ما ثبت يقينًا نفعه بحسب التجارب والدراسات أو غلب على الظن جدواه، فلا ينبغي التردد في الإقدام على تعاطيه.
فالدولة، وفقها الله تعالى، بذلت ما في وسعها، والعلم قال كلمته، والعلماء والأطباء والباحثون قد ضحوا بالغالي والنفيس من أجل هذه اللحظة، وعلى الجميع التعاون والمبادرة والثقة فيما تحقق من المنجزات، وشُكْرُ الله تعالى على نعمه وفضله، وصدق الله تعالى إذ يقول: (قُلْ ‌هَلْ ‌يَسْتَوِي ‌الَّذِينَ ‌يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ). 
*كاتب إماراتي