بالنسبة للأشخاص الكثيرين المهتمين بالمشهد السياسي الأميركي، شكّلت هزيمة دونالد ترامب في انتخابات 2020 الرئاسية حدثاً يستحق الاحتفال. ومن بين الناخبين السعداء كان هناك عدد من «الجمهوريين» البارزين الذين سبق لهم أن خدموا في إدارات ريتشارد نيكسون ورونالد ريجان وجورج بوش الأب وجورج بوش الابن. هؤلاء «الجمهوريون» الذين كانوا أصلاً مستائين من سلوك ترامب قبل ولايته الرئاسية التي دامت أربع سنوات، كانوا يُعرفون بـ«الرافضين لترامب». وكان الاعتقاد السائد هو أنه بعد خسارة ترامب في انتخابات 2020 ورفضه الاعتراف بالواقع، سيسعى عدد أكبر من «الجمهوريين» لمحو آثار الترامبية من الحزب وإعادة الجمهوريين تدريجياً إلى دورهم التقليدي كحزب محافظ يقبل في الوقت نفسه بقواعد النظام وتقاليده، وبالتالي يتصرف بمسؤولية، أكان في السلطة أم في المعارضة. 
ثم جاءت أحداث السادس من يناير 2021 الكارثية حينما هاجمت مجموعات من أنصار ترامب مبنى الكونجرس الأميركي بعنف واقتحمته، في وقت كان فيه الكونجرس مجتمِعاً من أجل اعتماد فوز بايدن في الانتخابات بشكل رسمي، وأقنعت الكثيرين بأن الوقت قد حان لفصل الحزب «الجمهوري» عن ترامب. لكن هذا لم يحدث. وبدلاً من ذلك، باشر «الديمقراطيون» إجراءات عزل ترامب مرة أخرى، وهذه المرة بتهمة تشجيع التمرد على الحكومة والتحريض ضدها. ودعم عشرةُ أعضاء «جمهوريين» في مجلس النواب القرار. في ذلك الوقت، كان يُنظر إلى أعمال هؤلاء الأعضاء العشرة على أنها إرهاصات حركة إصلاحية جديدة، لكن العكس هو الذي حدث حتى الآن. ذلك أن كل الأعضاء العشرة تعرضوا للشيطنة من قبل مسؤولي الحزب «الجمهوري»، كما أن هناك جهوداً تُبذل حالياً من أجل تحدّيهم على مقاعدهم في الكونجرس في انتخابات 2022 النصفية. 
ولعل المثير للسخرية هو أن الأيقونة الجديدة لقاعدة ترامب هي نائبة جديدة في مجلس النواب من إحدى أكثر المقاطعات محافَظةً في ولاية جورجيا، مارجوري تايلور جرين. والواقع أن آراء غرين جد متطرفة لدرجة أنها أصبحت موضوع خطابات غاضبة يومية ضدها من قبل كل من «الديمقراطيين» وبعض «الجمهوريين». ذلك أنها ترى أن ترامب فاز في انتخابات 2020، وأن بعض الأحداث مثل هجمات 11 سبتمبر الإرهابية دُبّرت من قبل الولايات المتحدة نفسها، وأن  أجهزة ليزر استخدمت  في الفضاء لإشعال حرائق الغابات في كاليفورنيا في 2018، وأن هيلاري كلينتون واحدة من عدة زعماء «ديمقراطيين» ينتمون إلى منظمة سرية تخطف الأطفال وتشرب دماءهم، وأن جماعة كلينتون هي التي دبّرت مقتل جون إف كينيدي جونيور في تحطم طائرة عام 1999، وأن اثنتين من عمليات إطلاق النار الجماعية سيئة الذكر في مدرستي «ليك وود» و«ساندي هوك» في الولايات المتحدة مجرد خدعة.. إلخ! ويظل ترامب من أشد مناصري غرين. وفي الأثناء، قال الزعيم الجمهوري في مجلس النواب كيفن ماكارثي، إنه سيتحدث مع غرين حول آرائها المثيرة للجدل، لكن لا أحد يعرف ما سيقوله وما إن كان سيتخذ في حقها إجراءات تأديبية. وبالمقابل، صدرت عن نظيره في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونل، تصريحات لاذعة حول غرين، في الأول من فبراير الجاري، قائلاً إن «أكاذيبها ونظريات المؤامرة الجنونية التي تؤمن بها» تمثّل «سرطاناً» بالنسبة للحزب. 
وعلى الرغم من وجود منتقدين مهمين مثل ماكونل، إلا أن هناك زيادة في الدعم لترامب داخل الحزب الجمهوري حالياً ولادعائه بأن الانتخابات سُرقت. بيد أن التوقعات على المدى الطويل لا تبدو واعدةً بالنسبة لحركة «اجعلوا أميركا عظيمة من جديد» (التي يتزعمها ترامب). فإذا كان ترامب قد ينجو من الإدانة في محاكمة عزله المقبلة أمام مجلس الشيوخ، فإن شقوقاً وتصدعات في تضامن قاعدة دعمه بدأت تظهر. ذلك أن بعضاً من أنصاره الأكثر تطرفاً كانوا يعتقدون أن ترامب سيعمد إلى إعلان الأحكام العرفية في يوم التنصيب في العشرين من يناير والاحتفاظ بالرئاسة. وبالتالي، فعندما لم يحدث هذا، كانت هناك الكثير من مشاعر الاستياء وخيبة الأمل. والحال أن خوف ترامب الحقيقي هو أن يصبح غير ذا أهمية. إذ كلما عملت إدارة بايدن على كبح الوباء وترميم الاقتصاد، سيتذكّر الناس الطريقة غير الناجحة التي تعاطى بها الرئيس السابق مع الأزمة العام الماضي. وهذا سيفاقم من تقلص دعمه بين أولئك الناخبين المستقلين الذين يُعدون ضروريين جداً إن كان يرغب في أن تكون له أي فرصة في عودة سياسية.

*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشيونال إنترست»