شكلت الهجمات الصاروخية المتهورة التي تعرضت لها مدينة أربيل (عاصمة إقليم كردستان العراق) يوم 15 فبراير الحالي، والتي أدت إلى مقتل مقاول يعمل لصالح التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وجرح 5 آخرين من أفراد التحالف (بمن فيهم جندي أميركي)، مؤشراً جديداً على أن وضع العراق الأمني لا يزال هشاً، وأن استقرار هذا البلد لا يزال رهينة بيد الميليشيات المدعومة من الخارج وجماعات العنف والإرهاب.
ورغم تبنّي ميليشيا غير معروفة تسمى «سرايا أولياء الدم» مسؤوليتها عن هذا الهجوم بدعوى أنه يستهدف «تحرير العراق من الاحتلال»، فإن مصادر عدة أشارت إلى وجود ارتباطات بين هذه الميليشيا وميليشيا أخرى مدعومة من إيران، هي «عصائب أهل الحق»، التي صنفتها الولايات المتحدة «منظمة إرهابية» في مطلع يناير 2020.
ويشير هذا الأمر، في حال ثبوته، إلى محاولة إيران توظيف العراق كورقة ضمن سياساتها الرامية إلى ممارسة الضغط على إدارة الرئيس بايدن لدفعها للإسراع بالعودة للاتفاق النووي، ورفع العقوبات المفروضة عليها، ولا سيما بعد تأكيد الأخيرة أنها لن تعود إلى الاتفاق إلا بعد التزام إيران بالكامل بشروطه.
وينُظر إلى هذه الهجمات على نطاق واسع على أنها «أول اختبار جدي» لإدارة بايدن في تعاملها مع الملف الإيراني، وتحديداً مع الدور السلبي لإيران في المنطقة، خاصة وأنها – أي الهجمات – تحمل رسالة ضمنية إلى واشنطن وحلفائها مفادها أن قوات التحالف والقوات الأميركية ليست في مأمن في أي مكان في العراق، حتى لو كانت في أربيل المستقرة والمحصنة أمنياً.
كما تكشف هذه الهجمات بوضوح أن طريق العراق نحو تحقيق الأمن والاستقرار لا يزال طويلاً، في ظل استمرار الدور السلبي الذي تقوم به الميليشيات المدعومة من إيران، والذي يقوض أية جهود تقوم بها حكومة الكاظمي لتأكيد سيادة الدولة العراقية على أراضيها، وإنهاء حالة الانفلات الأمني الناجمة عن استمرار فوضى انتشار السلاح في أيدي الميليشيات الطائفية، التي تصر على اختطاف الدولة العراقية وإبقائها رهينة لصالح قوى إقليمية تستغلها في تحقيق مخططاتها ومصالحها الخاصة.
ولا يقتصر خطر هذه الميليشيات على هذا، فانشغال الحكومة العراقية بالتعامل مع خطر هذه الميليشيات يشتت جهودها، ويصرف تركيزها بعيداً عن الخطر الآخر الذي يواجه البلاد، وهو خطر التنظيمات الإرهابية، ما قد يفتح الباب أمام تنظيم«داعش» للعودة من جديد، ويوفر له الظروف المواتية التي تساعده على العودة بقوة واستئناف نشاطه. 
إن العراق بحاجة قوية إلى دعم المجتمع الدولي لمواجهة هذا الخطر المزودج، الميليشيات المسلحة الموالية للخارج والإرهاب، وتقديم كافة أشكال الدعم لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي يبذل منذ توليه منصبه في مايو الماضي جهوداً كبيرة من أجل تحقيق الأمن والاستقرار في هذا البلد المنكوب.

مركز تريندز للبحوث والاستشارات