مواطنو دولة الإمارات يدركون تماماً بأن بلادهم دولة فتية لا تزال تحتاج إلى الكثير من العمل الجاد والمثابرة، ويعرفون بامتياز وثقة أن الجهود المخلصة الخاصة بالبناء الوطني الداخلي تعتمد على مجموعة من العوامل كأساس لبناء الدولة الحديثة، وهي عوامل متداخلة وتتفاعل مع بعضها بعضاً منها القوى الوجدانية والروحية للوطن وبشكل رئيس إحساس المواطنين وشعورهم بالمسؤولية والاعتماد على الذات، والالتزام بالنظام في التعامل مع قضايا الوطن الداخلية؛ وأهمية الإمكانيات المادية والمعنوية المتواجدة على تراب الوطن، وأهمية استخدام الوسائل العلمية والتكنولوجية لتنميتها والاستفادة القصوى منها؛ والفهم والاستيعاب الشامل لما يدور حولهم على الصعد الإقليمية والعالمية، والعمل على الاستفادة المستمرة والمتصلة حول ذلك، وفهم موقع المصالح الوطنية العليا من كل ذلك، والارتقاء بالأساليب الخاصة بالتعامل معها.
ويرتبط بذلك، ارتباطاً وثيقاً، التخلص من عدة مفاهيم وأساليب قديمة في التعامل مع القضايا المستجدة عن طريق القيام بإحلال العديد من الطرق والوسائل والعادات القديمة غير المفيدة أو المجدية بكل ما هو جديد ونافع، خاصة على صعد التعامل مع العالم الخارجي.
ويمكن أن يتم ذلك عن طريق التعامل الدولي البنّاء الذي يحقق المصالح الوطنية العليا للوطن والمواطنين على أسس من المصالح الحقيقية المتبادلة والمساواة في التعامل الند للند والعدل والاحترام المتبادل وصون السيادة والكرامة الوطنية للوطن مع احترام الأمم والشعوب الأخرى عند التعامل معها على أساس أنها هي الأخرى تحترم كل ما يتصل بدولة الإمارات كوطن وقيادة وشعب همهم الأول تحقيق السلام الإقليمي والعالمي، وفي كل بقعة من بقاع الأرض.
قيادة دولة الإمارات وشعبها وحكومتها- ومنذ قيام الدولة الاتحادية - شغوفون جداً بعملية التنمية من منطلق أن التنمية الشاملة المستدامة هي عملية حضارية شاملة ومتكاملة لمختلف أوجه المناشط في المجتمع وتحرير للإنسان من الخوف من الفقر والجهل والمرض والمخاطر الخارجية، وتطوير لكفاءاته وإطلاق العنان لقدراته الكامنة بلا حدود للعمل البناء الهادف والمفيد، بالإضافة إلى كونها اكتشاف لموارد المجتمع الطبيعية والبشرية والعمل على تطويرها والاستفادة منها واستخدامها بصورة مثالية في صالح الوطن والدولة والمجتمع ولخير الإنسانية جمعاء، وذلك من أجل بناء الطاقة الإنتاجية القادرة على العطاء المستمر.
وقد أجادت دولة الإمارات على مدى الخمسين سنة ماضية أو نيف على هذه الصعد أيما إجادة، وضربت لكافة الدول العربية ودول العالم النامي الأخرى مثالاً حياً بأن شح الموارد الطبيعية وقلة الكثافة السكانية المواطنة، لا يمكن أن تقف حجر عثرة أمام التنمية، أو أن تقلل الطموحات الهادفة للوصول إلى كل ما هو أفضل وأميز على وجه الكرة الأرضية.
وفي هذا السياق، فإن الفلسفة السائدة في مجتمع دولة الإمارات، هي أن التنمية الشاملة المستدامة، هي مسألة نسبية إلى حد كبير، وهي دائمة التجدد والتغيير.
لذلك فإن أهداف التنمية تتغير وفقاً لما يحتاج إليه المجتمع، ووفقاً لما هو ممكن التحقيق. ونظراً لأن الاحتياجات وما هو ممكن التحقيق أمور تتغير وفق لمعطيات المراحل الزمنية ووفرة الإمكانيات أو شحها، فإن أهداف التنمية ومتطلباتها يخضعان لذلك التغيير.
ولأن جميع جوانب التنمية تتداخل وتتفاعل مع بعضها بعضاً نجد من الصعب وجود تنمية على صعيد ما دون أن يصاحبها تنمية على الصعد الأخرى.
وفي دولة الإمارات، أدركت الدولة الاتحادية هذه الحقائق، فعملت على تطويعها، لأنها مدركة في نهاية المطاف بأن التنمية تهدف إلى خير الإنسان في نفس الوقت الذي هي تدرك فيه أن الإنسان هو المحور الذي ترتكز على جهوده عملية التنمية، فهو وسيلتها وهدفها في آن واحد. وللحديث صلة.
* كاتب إماراتي