بعد أكثر من مائة مليون إصابة، ومليوني وفاة، وواحد وستين مليون حالة شفاء، ها هو العالم يسير في رحلة تعافيه من وعكته الصحية الشاقة، بخطوات لا تزال محفوفة بالتضحيات، والجهود الضخمة، والتحديات.
وفي هذه الرحلة التي يصعد حافلتها العالم بلا استثناء، تسير كل من العوامل المساندة والمعاندة بشكل متعاكس لا يتوافق البتة مع الوضع والظرفية الحرجة للعالم، والتي يلحظ اندراجها كافةً وفي مختلف المجالات، من المنظومة الأخلاقية، سواء أكان ذلك على مستوى الأفراد، أو الجماعات، أو المؤسسات العامة والخاصة. 
ومن العوامل المساندة، تأتي السحابة التوعوية والثقافية المرتكز جزء كبير منها على أفراد المجتمع، إذ ينقسم لقسمين ثالثهما المحايد، فتتمثل بوجود نخبة من المثقفين والشباب الفاعلين الذين يساندون جهود دولهم للتأكيد على ضرورة تلقي اللقاح كجزء من وقاية المجتمع، الذي تعاني فئات فيه من خطر الإصابة بفيروس كورونا أكثر من الفئات الأخرى، منبثقةً هذه الموجة التوعوية والأخلاقية من باب الوحدة المجتمعية والوطنية، واحترام قيمة الآخر فيها، والتي تميز خلالها أوائل النخب التي تطوعت في تجارب المراحل المبكرة لإنتاج لقاح (كوفيد-19)، وقياس مدى فعاليته. 
ومن ناحية أخرى، تعاني مجتمعات العالم من القوى السلبية التي «تزيد الطين بلة»، بإذكاء القلق المجتمعي والتهويل والتخويف من خلال «الإعلام الفردي»، وبخاصة على منصات التواصل الاجتماعي، وتوليد حالة من الرعب المرتكز على مقاطع مرئية ومسموعة، وغيرها منزوعةً من تاريخ حدوثها، وأصل حكايتها، الأمر الذي يزيد من العبء على كاهل الحكومات، ويضاعف من خسارة المجتمع، ويزيد عدد الأشواط التي يحتاجها المجتمع للوصول إلى «بر السلامة». 

كما تشكل «تجارة الأزمات»، وبخاصة هذه الأزمة، خطراً كبيراً يحدق بسلامة الأفراد من ناحية صحية، وتهديداً صريحاً من النواحي الأخرى كالاقتصادية، والتعليمية، لتظهر في ذروة «الهمة العالمية» في توزيع اللقاح، وانتشال العالم من تداعيات الوباء، أطراف أخرى مبالغ في أنانيتها، ففي حين تم رصد العديد من التجاوزات الفردية، في عرض صفقات وهمية للقاح «مزيف»، في محاولة استغلال ذروة التزاحم العالمي للحصول على اللقاح، نجد أيضاً أن الشركات الكبرى الحصرية التي عملت على إنتاجه، حصدت تضاعفاً ملحوظاً في أرباحها، كـ «فايزر» التي سجلت ارتفاعاً في أسهمها بأكثر من 15مليار دولار خلال عام (2020)، مع أن القيمة الحقيقية للقاح، قد لا تتجاوز دولاراً ونصفاً.
وهو الأمر ذاته الذي يضطر الدول للاستنزاف المضاعف من طاقتها وجهودها، في مكافحة الجائحة العالمية، ليلوح الإنتربول في بيان له بضرورة اتخاذ الإجراءات القانونية، وتفعيلها في الدول الـ 194 الأعضاء، بغية الاستعداد للتصدي لشبكات الجريمة المنظمة، التي باتت تستغل حتى «جرعة الشفاء»، وأحد الأسباب المؤدية لهذا الأمر يكمن في تأخر بعض الشركات بتسليم شحنات اللقاح، مثل شركة «فايزر»، التي أخذت وقتاً طويلاً بالنسبة لحاجة السوق، في تعديلاتها على آليات الإنتاج. 
إن «التمنيع» جزء مهم من النظام الصحي، والذي لا يمكن تحقيقه دون الوصول لمستوى متقدم من إعطاء اللقاح، المصحوب بالعوامل الصحية الأخرى، والتي تؤول لتغطية أوسع، وتشاركية كفؤ في نظم التخزين والتوزيع، وتنشيط بارز على الموارد البشرية والمالية، وغيرها، وهنا تزداد أهمية التوزيع العادل للقاح على دول العالم، وتطفو على السطح كافة القشور والعيوب التي لم يعد باستطاعة العالم أن يتجاهل حقيقة وجودها، وتسمو المنظومة الأخلاقية كمادة خام ترتكز عليها كافة النجاحات، والإنجازات التي حققتها وستحققها المؤسسات، والدول قبل وصولها لخط النهاية الذي يفصل بين مرحلة «الهلع الكوروني»، و«الأمن الصحي».